للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالدَّلِيلُ

ــ

داعين إِلى بِدْعَتِهم؛ لأنه لم يَزَل السَّلَفُ والخَلَفُ على قبولِ الرواية منهم والاحتجاجِ بها والسماعِ منهم وإِسماعِهم من غير إِنكارٍ منهم، والله أعلم.

وعبارةُ النوويِّ هنا: (قولُه: "واعْلَمْ: أَنَّ الواجبَ على كُلِّ أَحَدٍ ... وأنْ يَتَّقِيَ منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع" هذا بيانٌ من المؤلِّف لمذهبه، قال العلماء من المُحَدِّثين والفقهاء والأُصوليين: المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تُقبل روايتُه بالاتفاق، وأمَّا الذي لا يكفر بها .. فاختلفوا في روايته، فمنهم مَنْ رَدَّها مطلقًا لفِسْقِه ولا ينفعه التأويل، ومنهم مَنْ قَبِلَها مطلقًا إِذا لم يكن ممن يستحلُّ الكذب في نُصْرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواءٌ كانَ داعيةَ إِلى بدعته أو غيرَ داعية، وهذا القولُ مَحْكِيٌّ عن الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى، حيث قال: أَقْبَلُ شهادةَ أهل الأهواء إلا الخطَّابية من الرافضة؛ لكونهم يَرَوْن الشهادة بالزُّور لمُوافِقِيهم.

ومن العلماء مَنْ قال: تُقبل إِذا لم يكن داعيةً إِلى بِدْعَتِه (١)، ولا تُقبل إِذا كان داعيةً، وهذا مذهب كثيرين، أو الأكثرِ من العلماء، وهو الأعدل الصحيح.

وقال بعضُ أصحاب الشافعي: اختلف أصحابُ الشافعي في غير الداعية، واتَّفَقُوا على عدم قبول الداعية، وقال أبو حاتم بن حِبَّان -بكسر الحاء وبالموحدة-: لا يجوزُ الاحتجاجُ بالداعية عند أئمَّتنا قاطبةً، لا خلافَ بينهم في ذلك.

وأمَّا المذهبُ الأولُ: فضعيفٌ جِدًّا؛ ففي "الصحيحين" وغيرِهما من كُتُبِ أئمَّةِ الحديث الاحتجاجُ بكثيرين من المبتَدعة غيرِ الدُّعاة، ولم يَزَل السَّلَفُ والخَلَفُ على قبول الروايةِ منهم، والاحتجاجِ بها، والسماعِ منهم، وإِسماعِهم من غير إِنكارٍ منهم، والله أعلم" اهـ بتصرف (٢).

ثم استدلَّ المؤلِّفُ على مذهبه فقال:

(والدليلُ) وهو مبتدأٌ، والدليلُ لغةً: ما يدلُّ على الشيء، كدليل الطريق المسمَّى بالخَفِير، فهو فَعِيل بمعنى فاعل، واصطلاحًا: جزئيٌّ يُذْكَرُ لإِثبات القاعدة،


(١) انظر "إكمال المعلم" (١/ ١٢٥).
(٢) "شرح صحيح مسلم" (١/ ٦٠ - ٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>