وأمَّا المثال: فهو جزئيٌّ يُذكَرُ لإِيضاح القاعدة؛ أي: والدليلُ الذي يدلُّ لنا (على أَنَّ) الحُكْمَ (الذي قُلْنا) هـ حالةَ كَوْنِه (مِنْ) وجوبِـ (هذا) الاتّقاء المذكورِ (هُوَ) الحُكْمُ (اللازمُ) المُتَعَيِّنُ الذي لا يجوزُ العُدُولُ عنه (دُونَ ما خَالفَه) أي: دونَ الحُكْمِ الذي خَالفَ ما قُلْناه، وهو عدمُ وجوبِ الاتِّقاء المذكور.
وذَكَرَ خبرَ المبتدإ بقوله:(قولُ اللهِ) سبحانه عَزَّ قَدْرُه و (جَلَّ ذِكْرُهُ) أي: تَنَزَّه ثناؤه عمَّا ليس أهلًا له: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} باللهِ ورسولِه {إِنْ جَاءَكُمْ}) وأخبركم ({فَاسِقٌ}) أي: شخصٌ خارجٌ عن سِمَة العدالة ({بِنَبَإ}) أي: بِخَبَرٍ مُحْتَمِلٍ للصِّدْق والكَذِب ({فَتَبَيَّنُوا}) فتبحثوا وتفحصوا عن صِدْقِه وكَذِبِه، ولا تستعجلوا إِلى إِمضاء ما يقتضيه خَبَرُه.
نَزَلَتْ هذه الآيةُ في الوليد بن عقبة أخي عثمان بن عفان رضي الله عنه لأُمِّه، بَعَثَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلى بني المُصْطَلق ليجيءَ بصدقاتِهم، وكان بينه وبينهم عداوةٌ في الجاهلية، فلمَّا سَمِعُوا به .. تَلَقَّوْه؛ تعظيمًا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إِنهم منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب الرسولُ صلى الله عليه وسلم فأرادَ أنْ يغزوهم فنهاه اللهُ سبحانه عن ذلك فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} بخبرٍ {فَتَبَيَّنُوا} فتفحصوا، وقُرِئَ:{فتثبتوا} أي قِفُوا حتى يَتَبَيَّنَ لكم حقيقةُ ما جاءَ به من صِدْقِه أو كَذِبِه حذرَ ({أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا}) بالقَتْلِ والسَّبْي ملتبسين ({بِجَهَالةٍ}) أي: بجهالةِ حالهم ({فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}) أي: فتصيروا بعد ظُهورِ براءتهم عمَّا نُسِبَ إِليهم نادمين على ما فَعلْتُم في حَقِّهم من إِصابتهم بالقتلِ وغيرِه.
فدَلَّ سبحانه وتعالى بمنطوق هذه الآية على أَنَّ خَبَرَ الفاسقِ ساقطٌ غيرُ مُعْتَبَر.
وعبارةُ القرطبي هنا: (قولُه تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الفاسقُ في أصل اللغة: هو الخارجُ مطلقًا، والفِسق والفُسوق: الخروج، ومنه قولُهم: فَسَقَت الرُّطَبةُ .. إِذا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرِها الأعلى، ومنه سُمِّيت الفأرةُ فويسقةً؛ لأنها تخرج من