منها: تبشير المحتضر وتذكيره باعماله الصالحة ليقوى رجاؤه، ويحسن بالله تعالى ظنه، ومنها أن الميت ترد عليه روحه ويسمع حِسَّ من هو على قبره وكلامهم، وأن الملائكة تسأله في ذلك الوقت، وهذا كله إنما قاله عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن مثله لا يدرك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فينبغي أن يرشد الميت في قبره حين وضعه فيه إلى جواب السؤال، ويذكر بذلك، فيقال له: قل الله ربي والإسلام ديني ومحمد رسولي؛ فإنه عن ذلك يسأل كما جاءت به الأحاديث على ما يأتي إن شاء الله تعالى، وقد جرى العمل عندنا بقرطبة كذلك فيقال: قل هو محمد رسول الله تعالى، وذلك عند هيل التراب ولا يعارض هذا بقوله تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}[فاطر: ٣٣]، ولا بقوله تعالى:{فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[الروم: ٥٢] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نادى أهل القليب وأسمعهم، وقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابًا، رواه أحمد والبخاري ومسلم، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد قال في الميت:"إنه يسمع قرع نعالهم" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أنس بن مالك، وإن هذا يكون في حال دون حال، ووقت دون وقت، وسيأتي استيفاء هذا المعنى في الجنائز إن شاء الله تعالى.
(قلت) وهذا الذي قاله القرطبي رحمه الله تعالى من تلقين الميت في قبره بدعة ليس لها أصل لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها شيء، ولم ينقل فعلها عن أحد من الصحابة، ولا واحد من السلف الصالح اهـ.
وفي هذا الحديث أيضًا بيان ما كانت الصحابة عليه من شدة محبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وتوقيره، وفيه الخوف من تغير الحال والتقصير في الأعمال في حال الموت لكن ينبغي أن يكون الرجاء هو الأغلب في تلك الحال، حتى يُحسن ظنه بالله تعالى؛ فليقاه على ما أمر به رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم حيث قال:"لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزَّ وجلَّ" رواه مسلم وأبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما.