وقوله:(ونزل) معطوف على قوله أولًا فنزل أي ونزل أيضًا ({يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا}) وفرّطوا ({عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا}) ولا تيأسوا ({مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}) ونيل غفرانه.
وهذا الحديث أعني حديث ابن عباس شارك المؤلف في روايته البخاري (٤٨١٠) وأبو داود (٤٢٧٣) والنسائي (٧/ ٨٦)، وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان، الأول: حديث عمرو بن العاص ذكره للاستدلال، والثاني: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والله أعلم.
(تتمة) في فضائل عمرو بن العاص ووفاته رضي الله تعالى عنه.
قال البياسي: كان عمرو بن العاص داهية العرب رأيًا وعقلًا ولسانًا، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خاطب رجلًا ولم يفهم يقول: سبحان من خلقك وخلق عمرو بن العاص، وولي مصر عشر سنين وثلاثة أشهر، أربعة لعمر، وأربعة لعثمان، وسنتين وثلاثة أشهر لمعاوية رضي الله عنهم وتوفي سنة ثلاث وأربعين وهو ابن تسعين سنة، وقيل غير ذلك، وترك من الناضِّ ثلاثمائة ألف دينار وخمسة وعشرين ألف دينار، ومن الوَرِق ألفي ألف دينار، وغلةَ ألفي ألف دينار، وضيعته المعروفةَ بالرَّهْطِ وقيمتها عشرة آلاف ألف درهم، ولما حضرته الوفاة نظر إلى ماله فقال: ليتك بعرًا، وليتني مت في غزوة ذات السلاسل، لقد دخلت في أمور ما أدري ما حجتي فيها عند الله، أصلحت لمعاوية دنياه؛ وأفسدت آخرتي؛ عَمي عني رشدي حتى حضر أجلي؛ لكأني به حوى مالي وأساء خلافتي في أهلي، ثم قال لابنه: ائتني بجامعة فشد بها يدي إلى عنقي ففعل؛ ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت ونهيتني فتجاوزت، ولست عزيزًا فانتصر، ولا بريئًا فأعتذر، ولكني أشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك، ثم وضع أصبعه في فمه كالمفكر المتندم حتى مات، وقال له ابنه عبد الله: يا أبت كنت تقول ليتني أحضر رجلًا عاقلًا قد نزل به الموت يحدثني بما يجد، وقد نزل بك فحدثني بما تجد، قال: يا بني لكاني في ضغث (١) ولكأنِّي أتنفس من سَمِّ الخياط، ولَكأَني غصنُ شوكٍ جُرَّ من قدمي إلى هامتي اهـ من الأبي.
قال القرطبي:(وفي حديث عمرو بن العاص فوائد).
(١) ضغث بالضاد والغين المعجمتين وهو اللوك بالأنياب والنواجذ كما في "اللسان".