{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} من الأمور الداخلة في حقيقتهما، والخارجة عنهما، المتمكنة فيهما من أولي العلم وغيره، أي كل ما فيهما خلقا ومِلكًا وتصرفًا له تعالى، لا شركة لغيره في شيء منهما بوجه من الوجوه، فلا يعبد فيهما سواه تعالى، ولا يعصى فيما يأمر وينهى، فلا تعبدوا أحدًا سواه، ولا تعصوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه، وله تعالى أن يُلزم من شاء بما شاء من التكاليف.
{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} أي وإن تُظهروا ما في قلوبكم من السوء والعزم عليه، وذلك بالقول أو بالفعل.
{أَوْ تُخْفُوهُ} أي تكتموا ما في قلوبكم عن الناس، ولم تظهروه لهم بالقول أو بالفعل.
{يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} أي يجازكم الله سبحانه به يوم القيامة، لأن الإبداء والإخفاء عنده سيان لأنه تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالمعول عليه في مرضاته تزكية النفوس، وتطهير السرائر، لا لوك اللسان وحركات الأبدان.
والمراد بقوله {مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} الأشياء التي لها قرار في أنفسكم، وعنها تصدر أعمالكم كالحقد والحسد ونحوهما، ذاك أن الخواطر والهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان، ولا يكون لها أثر في نفسه، ولا ينتج منها فعل يكون مترتبًا عليها، لكنه إذا استرسل معها حُسبت عليه.
عملًا يُجازى به، لأنه مشى معها قدمًا باختياره، وقد كان يستطيع مطاردتها وجهادها، فالمظلوم مثلًا يذكر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه والهرب من أذاه، وربما استرسل مع خواطره إلى أن تجره إلى تدبير الحيل للإيقاع به، ومقابلة ظلمه بما هو شر منه، فيكون مؤاخذًا عليه أبداه أو أخفاه.
وصفة الحسد تبعث في نفس الحاسد خواطر الانتقام من المحسود، والسعي في إزالة نعمته، وهذه الخواطر مما يحاسب الحاسد عليها أبداها أو أخفاها، وهكذا يقال في كل أعمال القلب التي أمرنا الشارع بجهادها ومقاومتها، مما هو أثر لأخلاق وملكات وعزائم قوية تنشأ عنها أعمال هي آثار لها؛ إذا انتفت الموانع وتركت المجاهدة.
ومحاسبة الله عباده أن يريهم أعمالهم الظاهرة والباطنة، ويسألهم لم فعلوها، ثم