ورحمة، والتكليف: إلزام ما فيه كلفة ومشقة، والوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، وهذا إخبار من الله تعالى بعد تلقيهم تكاليفه بالسمع والطاعة والاستسلام بآثار فضله ورحمته لهم، إذ كلفهم بما يسهل عليهم ولا يصعب عليهم عمله، وفيه بشارة بغفران ما طلبوا غفرانه من التقصير، وبتيسير ما ربما يُفهم من الآية السابقة {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} إلخ، من المشقة والتعسير ({لَهَا}) أي للنفس ثواب ({مَا كَسَبَتْ}) من الخير الذي كلفت فعله، لا لغيرها استقلالًا أو اشتراكًا ({وَعَلَيهَا}) لا على غيرها بأحد الطريقين المذكورين عقاب ({مَا اكْتَسَبَتْ}) من الشر الذي كلفت تركه، وأضاف الاكتساب إلى الشر لبيان أن النفس مجبولة على فعل الخير والشر، تفعل بالتكلف والتأسي بالناس، ألا ترى أن الطفل ينشأ على الصدق؛ حتى يسمع الكذب من الناس فيتعلمه؛ وهو يشعر بقبحه وقد بسطنا الكلام في هذه الآيات في تفسيرنا "حدائق الروح والريحان" ومن أراد الخوض فيها فليراجعه.
وقولوا يا عبادي في دعائكم إياي ({رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}) أي لا تعاقبنا بما صدر منا بالنسيان أو الخطأ ({إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}) أي إن قصرنا في تكاليفك بالنسيان والخطأ الناشئين عن تفريط وقلة مبالاة، والفرق بينهما أن النسيان ضد العمد، والخطأ ضد الصواب، فيقارنه العمد، كما إذا رمى إنسانٌ صيدًا عمدًا فأخطأ وأصاب إنسانًا فقتله فهذا يُسمى خطأ عمدٍ، وقد بحثنا عن جميع ذلك في تفسيرنا فراجعه.
وقوله (قال) الله سبحانه مجيبًا لهم دعاءهم (نعم) أي أجبت لكم دعاءكم فلا نؤاخذكم بالنسيان والخطأ، جواب لشرط محذوف، معلوم من السياق، تقديره فلما قال القوم: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، قال الله تعالى مجيبًا لهم: نعم، أي أجبت لكم دعاءكم هذا.
وعبارة المفهم هنا و (نعم) حرف جواب، وهو هنا إجابة من الله سبحانه، لما دعوا به من ترك المؤاخذة، كما قال في الرواية الأخرى عن ابن عباس (قد فعلت) بدل قوله هنا (نعم) وهو إخبار من الله تعالى أنَّه أجابهم في تلك الدعوات، فكل داعٍ يشاركهم في إيمانهم وإخلاصهم واستسلامهم أجابه الله تعالى كإجابتهم؛ لأنَّ وعده تعالى صدق وقوله حق، وكان معاذٌ يختم هذه السورة بآمين كما يختم الفاتحة بها، وهو حسن، رواه أبو