أرادها (فاكتبوها له) أي عليه (بمثلها) أي بعقوبة واحدة مثلها لا تزيدوا عليها (وإن تركها) أي ترك عمل تلك السيئة التي أرادها (فاكتبوها) أي فاكتبوا تركه إياها (له) أي لذلك العبد (حسنةً) كاملة لأنه (إنما تركها من جراي) بالقصر مع تشديد الراء وفتح الياء، أي من أجلي، وخوف عقوبتي، وفي نسخة من جرائي بالمد وهو لغة فيه، وتشديد الراء وتخفيفها على اللغتين، وفتح الياء وسكونها فيهما وفي نهاية ابن الأثير: أن امرأة دخلت النار من جرا هرة، أي من أجلها.
وعبارة القرطبي هنا من جراء أي من أجل، وهي مشددة الراء في اللغتين، وقد خففت معهما، ومقصود هذا اللفظ أن الترك للسيئة لا يكتب حسنة إلا إذا كان خوفًا من الله تعالى، أو حياءً من الله، وأيهما كان فذلك الترك هو التوبة من ذلك الذنب، وإذا كان كذلك فالتوبة عبادة من العبادات إذا حصلت بشروطها، أذهبت السيئات وأعقبت الحسنات.
وقوله تعالى (إنما تركها من جراي) إخبارٌ منه تعالى للملائكة بما لم يعلموا من إخلاص العبد في الترك، ومن هنا قيل: إن الملائكة لا تطلع على إخلاص العبد، وقد دل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سأله عن الإخلاص ما هو؟ فقال:"قال الله عَزَّ وَجَلَّ: هو سرٌّ من سرِّي استودعته قلب من أحببت من عبادي"، وفي الحديث الآخر الذي يقول الله تعالى فيه للملائكة التي تكتب الأعمال حين تعرضها عليه:"ضعوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك ما رأينا إلا خيرًا، فيقول الله: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي" رواه الطبراني في الأوسط بسند صحيح، ورواه البزار والبيهقيُّ في الشعب.
(و) منها أنَّه قال (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحسن) وأخلص (أحدكم) أيها المؤمنون (إسلامه) وإيمانه من النفاق (فكل حسنة يعملها تكتب) له (بعشر أمثالها) وبما فوقها (إلى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب) عليه (بمثلها) فلا يزاد