قال القرطبي:(والأمانة) كل ما يوكل إلى الإنسان حفظه، ويخلى بينه وبينه فتدخل فيها الودائع والتكاليف ومنها سُمي التكليف أمانة في قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ}.
و(الجذر) الأصل من كل شيء، ومعنى إنزال الأمانة في القلوب، أن الله تعالى جبل القلوب الكاملة على القيام بحق الأمانة، من حفظها واحترامها وأدائها لمستحقها، وعلى النفرة من الخيانة فيها لتنتظم المصالح بذلك اهـ.
وقال الأبي: ونزولها في أصل قلوب الرجال كناية عن خلق الله تعالى في تلك القلوب قابلية التزام حفظها والقيام بها، فلما نزل القرآن والسنة عمل بمقتضاها من خلقت فيه تلك القابلية اهـ.
(ثم) بعد خلقتها في قلوبهم (نزل القرآن) بلفظه والسنة بمعناها (فعلموا) أي علم أولئك الرجال الذين خُلقت الأمانة في قلوبهم (من القرآن) وجوب القيام بتلك الأمانة، ولزوم حفظها، أي بما ذكر فيه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب (وعلموا من السنة) والحديث تفاصيلها، وكيفية القيام بها وأدائها فعملوا بها.
وفي فتح الملهم: وقوله (ثم نزل القرآن) يعني كان في طباعهم الأمانة بحسب الفطرة التي فطر الناس عليها ووردت الشريعة بذلك فاجتمع الطبع والشرع في حفظها اهـ منه.
والثاني من الحديثين وهو الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره ما ذكره بقوله (ثم حدثنا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن) كيفية (رفع الأمانة) والإيمان عن قلوب الرجال التي خلقت فيها وطبعت عليها، أي حدثنا عن كيفية رفعها شيئًا فشيئًا فـ (ـقال) في بيانها (ينام الرجل) الذي كان ممن نزلت الأمانة في جذر قلبه (النومة) أي المرة من النوم (فتقبض الأمانة) أي تؤخذ الأمانة والإيمان الذي هو بسببها أي يمحى نور الأمانة والإيمان (من قلبه) أي من جذر قلبه، والنوم في قوله (فينام الرجل النومة) كناية عن الغفلة الموجبة لارتكاب السيئة الباعثة على نقص الأمانة ونقص الإيمان فإن قلنا إن النوم على حقيقته فإن المذكور بعده أمر اضطراري فيكون ما قبله هو السبب له قوله (فتقبض الأمانة) يعني قبض بعضها بدليل ما بعده يعني يقبض بعض ثمرة الإيمان (فيظل أثرها) أي فيصير أثر