فالحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن مغيب وقع كما أخبر اهـ منه.
قال السنوسي: قال الطيبي: ثم في قوله "ثم ينام النومة" للتراخي في الرتبة وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن ثم علموا من السنة" كما أن علم القرآن والسنة يزيد أصل الأمانة في القلوب ويربيها، كذلك ينقص استمرار رفع الأمانة وقبضها من أثرها، فإن أثر المجل المشبه بالنفاطة التي ليس فيها شيء أبلغ في الخلق من أثر الوكت، وفيه تشبيهان مفردان، شبهت حالهما مجموعة بحالة جمر أثر في عضو ثم نفط وارتفع، وإنما شبه أثر الأمانة أولًا بأثر الوكت ثم ثانيًا بأثر المجل، ثم شبهها بالجمر المدحرجة على الرجل تقبيحًا لحالها وتهجينًا لتستفز عنها النفس وتعافها، فإن الأمانة والخيانة ضدان، فإذا ارتفعت إحداهما تعاقبت الأخرى (قلت) قول الطيبي: وهي نقيضة ثم في قوله "ثم علموا القرآن" يعني في رواية المصابيح، وإلا فالذي في مسلم "ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة" فالعطف بثم إنما وقع عند مسلم في قوله "ثم نزل القرآن" ووقع العطف بالفاء فيما بعده، لكن الذي يجري في رواية "ثم علموا" يجري مثله في رواية ثم نزل.
ومعنى قوله "ينام النومة" والله تعالى أعلم يغفل عن تعظيم أمر الله تعالى بأداء الأمانة وشدة عقوبة المخالفة، وتراكم أهوال الآخرة التي تذوب لمجرد سماع أدنى شيء منها القلوب، فكيف يكون الحال في مشاهدتها وانتشاب القلب والجوارح في مخالب دواهيها غفلة، حق لها أن تسمى لثقلها وتمكنها من العقل حتى غاب عن مراشده، وعما تفاقم أمره النومة المعروفة بالثقل وتغييب العقل والحواس، وليس هو من أهل التقوى الدائمي الانتباه والتيقظ في أمر دينهم، وقصارى الأمر أن يصيبهم من الغفلة ما هو في عدم استيلائه على العقل شِبْهُ السنة فيطرودنه على الفور بنور عقولهم ولا يتركونه للتمكن منهم حتى تصيبهم بسببه آفة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} ثم إن ذلك العاقل مع معرفته بما أفسد بتلك الغفلة العظيمة، لم يحمله ذلك على دوام التيقظ وكمال التحرز والتترس بل التوبة النصوح حتى لا يقع في مثل تلك الغفلة بل عاد هو إلى مثل تلك الغفلة وأشد منها، والمؤمن لا يلدغ في دينه من جحر مرتين، وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اغفر لنا ما مضى، وأصلحنا بما بقي، حتى نلقاك على أحسن حال، بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين اهـ سنوسي.