وَلكِنْ أَيكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ الفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ؟ قَال حُذَيفَةُ: فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ. فَقُلْتُ: أَنَا. قَال: أَنْتَ، لِلهِ أَبُوكَ! .
قَال حُذَيفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا،
ــ
الزكاة، أي تكون هذه الطاعات كفارة ساترة ماحية لتلك الفتنة عن الرجل إذا كانت من الصغائر (ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يذكر الفتن) العامة (التي تموج) وتضطرب وتنتشر موجًا واضطرابًا كـ (ـموج البحر) واضطرابه وتحركه، يقال: ماج البحر إذا تحرك ماؤه وارتفع، شبهها بموج البحر في شدتها وتواليها وكثرتها وتدافعها (قال حذيفة فأسكت القوم) بقطع الهمزة المفتوحة، أي صمتوا وسكتوا، وأطرقوا رؤوسهم، وإنما سكتوا لأنهم لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة، وإنما حفظوا النوع الأول، قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان، كلاهما بمعنى صمت، وقال الأصمعي: سكت بمعنى صمت، وأسكت بمعنى أطرق، وقال أبو علي البغدادي وغيره: سكت وأسكت بمعنى صمت، قال الهروي: ويكون سكت بمعنى سكن ومنه قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} وبمعنى انقطع، تقول العرب جرى الوادي ثلاثًا ثم سكت أي انقطع، ويقال سكت يسكت سكتًا وسكوتًا وسُكاتًا قال حذيفة (فقلت) لعمر (أنا) الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن المائجة موج البحر (قال) عمر (أنت لله أبوك) أي أنت سمعتها فلله در أبيك، أي درّ ارتفع به أبوك وكبر حتى أولدك، وهذه الجملة كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها مع التعجب، فإن الإضافة إلى العظيم تشريف للمضاف، ولهذا قالوا: بيت الله، وناقة الله، قال صاحب التحرير: فإذا وُجد من الولد ما يُحمد به قيل له: لله أبوك حيث أتى وأنجب بمثلك (قال حذيفة) فقلت لعمر في بيانها (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول: تعرض الفتن) أي تظهر الفتن والمخالفة والمنازعة والمقاتلة والمشاتمة بين المسلمين وتمر (على القلوب) وتؤثر فيها، ويظهر أثر قبولها على قلوب الناس (كالحصير) أي كما يظهر أثر الحصير وأوراقه على جنب النائم عليه (عودًا عودًا) أي ورقًا ورقًا، وهذا كناية عن شدة قبولها، وكثرة خوض الناس فيها، حتى يهلكوا فيها، ومعنى تعرض الفتن على القلوب: أي تلصق بعرض القلوب، أي جانبها كما يلصق الحصير بجنب النائم، ويؤثر فيه شدة