للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَينِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ

ــ

يناول مُهيئ القضبان للناسج عودًا بعد عود، ومعنى الضبط الثالث قريب من الثاني، يعني أن الفتنة كلما مضت واحدةٌ عادت أخرى كما يفعل ناسج الحصير، كلما فرغ من موضع شطبة أو عود عاد إلى مثله، والمعنى الثاني أمكن وأليق بالتشبيه والله أعلم اهـ.

قال النواوي: ويترجح رواية ضم العين مع الدال المهملة، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد، قال القاضي: وهذا معنى الحديث عندي، وهو الذي يدل عليه سياق لفظه وصحة تشبيهه والله تعالى أعلم.

(فأي قلب) من تلك القلوب التي عرضت الفتن عليها (أشربها) أي أشرب تلك الفتن وقبلها، ودخلت فيه دخولًا تامًّا، وألزمها وتمكنت فيه وحلت منه محل الشراب حتى لا تقبل الانفكاك منه، نظير قوله تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي حب العجل، وقولهم: ثوبٌ مشرب بحمرة) أي خالطته الحمرة مخالطة لا انفكاك لها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أُشربها (نكتة) أي نقطة (سوداء) أي ذات سواد، أي ظهر فيه سواد يسير مثل النقطة، قال ابن دريد وغيره: كل نقطة في شيء تخالف لونه فهي نكتة (وأي قلب أنكرها) أي أنكر تلك الفتن وردها، ولم يقبلها واعتزل من الخوض فيها (نكت) أي نقط (فيه) أي في ذلك القلب الذي أنكرها، ولم يخض فيها (نكتة) أي نقطة (بيضاء) أي ذات بياض، والنكتتان كناية عن نقص الإيمان وكماله، فالنكتة السوداء كناية عن نقصِ نورِ إيمانِ مَنْ قَبِلهَا، وأُشربها بظلام تلك الفتن والنكتةُ البيضاء كناية عن سلامة نور إيمان من أنكرها، ولم يَخُض فيها مِنْ ظلامِ تلك الفتن، وقوله (حتى تصير على قلبين) غاية لقوله تعرض الفتن، أي تعرض الفتن وتظهر وتنتشر حتى تصير وتكون على قلبين: أحدهما ما ذكره بقوله: تعرض.

(على) قلب (أبيض) بالنور التام من الإيمان أملس (مثل الصفا) أي مثل الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء، في عدم تأثره وقبوله لتلك الفتن (فلا تضره) أي فلا تضر ذلك القلب الأبيض الأملس مثل الصفا (فتنةٌ) واحدة من تلك الفتن التي توالت وتتابعت

<<  <  ج: ص:  >  >>