على القلوب، بل هو ناجٍ سليم منها سلامة مؤبدة دائمة (ما دامت السماوات والأرض) أي مدة دوامهما، والقصد تأبيد سلامته من ضرر تلك الفتن.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان، وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء اهـ.
والقلب الثاني ما ذكره بقوله (و) القلب (الآخر) الذي أشرب تلك الفتن وقبلها وتمكنت فيه (أسود) أي ذو سواد وظلام بانطماس نور إيمانه بتلك الفتن وخوضه فيها، وقوله (مرْبادًا) على زنة محمار، حال من الضمير المستتر في أسود، أي حالة كون ذلك القلب الآخر مربادًا أي مخلوطًا سواده ببقايا بياض نور الإيمان، وحالة كونه (كالكوز) والكأس (مجخيًا) بميم مضمومة ثم جيم مفتوحة ثم خاء معجمة مشددة مكسورة، أي حالة كونه كالكوز المجخي، أي المقلوب المنكوس الذي لا يقبل تعبئة الماء فيه، قال القاضي عياض: قال لي ابن السراج: ليس قوله كالكوز مجخيًا تشبيهًا لما تقدم من سواده، بل هو وصف آخر من أوصافه، بأنه قلب ونكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة، ومثله بالكوز المجخي، أي المقلوب وبينه بقوله (لا يعرف) ذلك القلب الآخر الأسود ولا يقبل (معروفًا) من معروفات الشرع بل يرده وينكره (ولا ينكر) أي لا ينكر (منكرًا) من منكرات الشرع الذي هو من جنس هواه، بل لا يقبل شيئًا من المعروف (إلا ما أشرب) ذلك القلب (من هواه) وشهواته التي هي من جنس المنكرات، بل هو حليف الهوى، مفارق الهدى، قال السنوسي: قال بعضهم: يعني لا يعرف القلب إلا ما قيل من الاعتقادات الفاسدة، والشهوات النفسانية، قال الطيبي: ولعله أراد أنه من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح، أي ليس فيه خير إلا هذا، وهذا ليس بخير، فيلزم منه أن لا يكون فيه خير ألبتة اهـ.
وقال القاضي: شبه القلب الذي لا يعي خيرًا بالكوز المنحرف الذي لا يثبت فيه الماء، وقال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصي، دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإيمان،