والقلب مثل الكوز فإذا انكب انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك.
قال السنوسي: قلت والضمير في قوله (حتى تصير) للقلوب، أي حتى تصير القلوب على نوعين: أحدهما أبيض صلب لا تزلزل عقائده لواردة الفتن، ولا يتضرر بها في دينه لتحقق عرفانه ورسوخ إيقانه في تمييز الباطل من الحق، والبدعة من السنة، فلم يكن ماسورًا بالتقليد، ولا منخدعًا بالعوائد الفاسدة التي درج عليها الأكثر، ولهذا ضرب له المثل بالصفا، لأن الأحجار إذا لم تكن معدنية لم تتغير بطول الزمان، ولم يدخلها لون آخر، سيما النوع الذي ضرب به المثل، فإنه أبدًا على البياض الخالص الذي لا تشوبه كدرة.
والنوع الآخر على ضد هذه الأوصاف يتزلزل لأقل فتنة وينخدع بأقل حالة فاسدة، وهذا حال العام والخاص في هذا الزمان، إلا من حُفِظَ من النادر جدًّا اهـ منه.
وقال أيضًا: قلت كأن القلب باتباع الهوى انكب إلى الأرض فزال ما فيه واحتجب عنه غيوث الأنوار السماوية، وصارت إذا وردت عليه، إنما ترد على ظاهره، وتظل ذاهبة حتى لا ينتفع بها كالإناء المنكب على وجهه إذا ورد عليه مطر ونحوه، قال تعالى في معنى ذلك:{آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} إلى قوله: {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} ومن تأمل حال من يتعاطى العلم في زماننا وجدهم إلا النادر جدًّا على هذا الوصف الذميم، قد اختلط عليهم الحال، وتلبست عليهم البدع بالسنن، وامتزج الحق عندهم بالباطل، حتى صاروا يوالون أهل البدع، ومن يذهب على غير أصل علم وسنة، بل صاروا يفعلون مثل أفعالهم، بل انتقل بهم الحال إلى الداء العضال الذي كاد أن يكون كفرًا، وهو الوقوف على أبواب الظلمة، ومن تحقق دفنه للسنة والشريعة، ويتعاطون الثناء عليهم، وإنشاء ما يقدرون عليه من الأسجاع والشعر في ذلك، وبالجملة فأكثرهم مخروب الظاهر والباطن، مسلوب من كل خير لا حظ لهم من العلم إلا نقل كلمة لا تجاوز حناجرهم.
قال الطيبي عند كلامه على حديث:"اهتز العرش لمدح الفاسق" قال: اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم، وداهية دهياء، لأن فيه رضاء بما فيه سخط الله تعالى وغضبه، بل يقرب أن يكون كفرًا، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرم الله تعالى،