شاهد وقوله (جالسًا) بالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف وبالرفع خبر المبتدأ كما هو رواية البخاري، والتقدير فإذا الملك الذي جاءني بحراء شاهد أو حاضر حالة كونه جالسًا (على كرسي) بضم الكاف وقد تكسر، موضوع (بين السماء والأرض) ظرف في محل جر صفة لكرسي، والمعنى فرفعت بصري ففاجأني رؤية الملك الذي جاءني بحراء حالة كونه جالسًا على كرسي موضوع بين السماء والأرض، وفي قوله (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) دليل على صحة القول بأن (اقرأ) أول ما نزل ثم المدثر ولما لم يذكر هاتين الجملتين في التفسير من حديث ابن شهاب بل اقتصر على حديثه عن جابر قال من قال بحسب ما هناك إن المدثر أول ما نزل.
وفي جلوس الملك على الكرسي لا سيما وهو مرتفع بين السماء والأرض بحيث لا يحتاج إلى ارتفاع على الكرسي دليل على جلوس العلماء للتعليم على الكرسي ليستمع الناس وليكونوا على السواء في مواجهته والأخذ عنه لا سيما إن كثروا، ومن ثم شرع المنبر في الجمع والأعياد ومحل الخطب، والملك وإن كان مستغنيًا عن الكرسي بإمكان ثبوته دونه في الهواء كما ثبت معه فيه لكنه تعليم وإشارة إلى التزام المعلم التؤدة والوقار والهيئة الحسنة كما كان مالك رحمه الله تعالى يلتزم الجلوس على المنصة حين يجلس للتحديث متجملًا متطيبًا، وإشارة إلى التحريض على التزام العلم فإنه يوصل صاحبه إلى المراقي العلمية من الكراسي والمنابر ونحوها في الدنيا والآخرة أي إن صبرت على مشاق التعلم من غيرك ارتفعت إلى مثل هذا المقام لتعلم غيرك. ومثل هذا الاستدلال ما في الجمعة من صحيح مسلم عن أبي رفاعة قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب؛ رجل غريب يسأل عن دينه فأقبل علي وأتي بكرسي حسبت قوائمه من حديد فقعد عليه يعلمني ثم أتى خطبته. اهـ سنوسي.
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجُئِثْث) بجيم مضمومة ثم همزة مكسورة ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم تاء الضمير أي فزعت وخفت (منه) أي من الملك (فرقًا) أي خوفًا فهو مفعول مطلق معنوي لـ (جئثت) أي فزعت منه فزعًا وخفت منه خوفًا، وستأتي رواية (جثثت) بجيم ومثلثتين بمعناه وفي نسخة (فحثثت) بحاء مهملة وثاءين ومعناه أسرعت،