وفي رواية البخاري (فرعبت منه) بضم الراء وكسر العين المهملة مبنيًّا للمفعول، وللأصيلي (فرعبت) بفتح الراء وضم العين أي فزعت من الملك (فرجعت) إلى أهلي بسبب الرعب والفزع منه (فقلت) لهم (زملوني زملوني) بالتكرار مرتين أي لفوني بالثياب (فدثروني) بصيغة الماضي أي لفوني بالثياب لتزول عني الرعدة والفزع، والتزميل والتدثير بمعنى واحد وهو التلفيف.
(فأنزل الله) سبحانه (تبارك) أي تزايد خيره وآلاؤه (وتعالى) أي ترفع عما لا يليق به من سمات النقص {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: ١] إيناسًا له وتلطفًا به والتدثير والتزميل بمعنى واحد، ودل هذا الحديث على أن السورة مكية وأن هذا سبب نزولها والمعنى يا أيها المدثر بثيابه، وعن عكرمة: أي المدثر بالنبوة وأعبائها.
قال السهيلي: قال بعض أهل العلم في تسميته صلى الله عليه وسلم بالمدثر في هذا المقام ملاطفة وتأنيس، ومن عادة العرب إذا قصدت الملاطفة أن تسمي المخاطب باسم مشتق من الحالة التي هو فيها كقوله صلى الله عليه وسلم لحذيفة رضي الله عنه:"قم يا نومان" ولعلي رضي الله عنه وقد ترب جنبه: "قم أبا تراب" ولو ناداه سبحانه في حالة كربه هذه باسمه أو بالأمر المجرد عن هذه الملاطفة لهاله ذلك، ولكن لما بدأ بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} أنس وعلم أن ربه راض عنه، ألا تراه كيف قال عندما لقي من أهل الطائف من شدة البلاء والكرب ما لقي "رب إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي" إلى آخر الدعاء فكان مطلوبه صلى الله عليه وسلم رضا ربه وبه كانت تهون عليه الشدائد. اهـ.
({قُمْ}) أي من اضطجاعك مدثرًا أو من نومك ({فَأَنْذِرْ}) أي حذر وخوف من العذاب من لم يؤمن بك أو بادر بإنذار قومك أو الناس أو الثقلين أجمعين لأنه بعث إلى الجميع وهو أولى، ولهذا لم يعلق بمفعول فيعم وإلا لزم التحكم أو ينزل منزلة اللازم أي أوجد الإنذار أو حذر من كذَّبَك أن ينزل عليهم من عذاب الله ووقائعه مثل ما نزل بمن كذب الرسل من قبلك، ودلت على المبادرة بالإنذار الفاء العاطفة على (قم) لأنها للتعقيب واقتصر على الإنذار لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ