وأخرج قلبي (ثم غسل) قلبي (بماء زمزم) فردوني إلى بني سعد عند مرضعتي (ثم أنزلت) على صيغة المجهول أي تركت عند مرضعتي، وإنما فسرنا كذلك ليوافق الحديث الذي بعده.
قال الأبي: هذا الحديث ظاهره أن الشرح كان بمكة وفي حال الصغر، وفي الحديث الذي يليه أنه كان وهو يلعب مع الغلمان ببني سعد حوالي مكة، ويأتي في حديث: "فرج سقف بيتي" أنه كان ليلة الإسراء، فأما الجمع بين الأول والثاني فقد قال القاضي عياض: حديث وهو ببني سعد أصح، وإن صح أن الغَسل بمكة فيجمع بأن تكون الملائكة عليهم السلام أخذته من بني سعد وذهبت به صلى الله عليه وسلم إلى مكة لغَسله بماء زمزم فغسلوه فردوه إلى موضع أخذه من بني سعد، وأما الجمع بينهما وبين الثالث فقد أجاب السهيلي: بأن شق المصدر كان مرتين مرة في الصغر للتطهير من مغمز الشيطان حتى لا يلتبس بشيء من المعايب وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ومرة في الاكتهال وبعد النبوة عندما أراد رفعه إلى حضرة القدس لتلقي فرض الصلاة ويصلي بملائكة السماء ومن شأن الصلاة الطهور فطهر ظاهرًا وباطنًا. اهـ أبي.
قوله (ثم غسل بماء زمزم) قال الأبي: تخصيص الغسل به يشهد لفضيلته على غيره وحق له لأنه من تفجير جبريل - عليه السلام - لأم إسماعيل حين خافت عليه العطش، وذلك أن إبراهيم - عليه السلام - لما أراد تركها بمكة والرجوع إلى الشام، قالت: أعن أمر من الله تعالى تتركني بخلاء من الأرض قال: نعم، قالت: فإذًا لا أضيع، ثم جعلت تقف على الصفا مرة وعلى المروة أخرى تطلع هل ترى مارًا فرجعت وقد فجر جبريل - عليه السلام - بعقبه زمزم فلما وليت جرهم الحرم بعد إسماعيل - عليه السلام - وأحدثوا فيه الحوادث وأراد الله سبحانه إخراجهم منه عمد الحارث بن مُضاض الأصغر آخر ملوكهم حين علم أنه يُخرج إلى مال الكعبة فدفنه ليلًا بزمزم وعفى أثره بالتراب، وكان في المال غزالان من ذهب وأسياف كان من ساسان أو سابور من ملوك الفرس أهداها إلى الكعبة، فلم تزل كذلك دارسة الأثر إلى أن أراد الله سبحانه إظهار مائها قرب ولادة النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عبد المطلب الرؤيا التي أمر فيها بحفرها ودل على موضعها بأمارات ذكرت له في رؤياه فحفر فظهرت فلم ينزف إلى الآن، قال السهيلي: وكان سقط فيها حبشي فنزفت من أجله فوجد ماؤها يفور من ثلاثة أعين أكثرها ماء التي تلي الحجر