وتعالى رفعه إلى حضرة القدس لتلقي فرض الصلاة وللصلاة بملائكة السماء وبالأنبياء، ومن شأن الصلاة الطهور فطهر ظاهرًا وباطنًا كما مر. (فنزل جبريل) الأمين (عليه السلام) من السماء (ففرج صدري) أي شقه بسكين القدرة وأخرج قلبي (ثم غسله) أي غسل قلبي (من ماء زمزم) أي بماء بئر زمزم فمن بمعنى الباء (ثم) بعد غسله (جاء) جبريل (بطست من ذهب) أصل الطست الطس فأبدل من أحد المثلين تاء، يقال في جمعه طساس كسهم وسهام، وطسوس كفلس وفلوس باعتبار المعنى، وعلى طسوت باعتبار اللفظ كما في المصباح، قال النواوي: وهي مؤنثة فجاء ممتلئ على معناها وهو الإناء وأفرغها على لفظها (ممتلئ) ذلك الإناء يعني إناء الطست (حكمة) أي علمًا مطابقًا للواقع (وإيمانًا) أي تصديقًا ويقينًا بما يجب الإيمان به، والمراد بالحكمة الأحكام الشرعية والفرعية، وبالإيمان علم العقائد الأصولية (فأرغها) أي أفرغ الطست وصبها أي أفرغ ما فيها من الحكمة والإيمان في قلبي الذي كان (في) داخل (صدري ثم) بعد إفراغ ما فيها في القلب (أطبقه) أي أطبق صدري وخاطه بخيط القدرة.
(فإن قلت) الحكمة والإيمان معنى من المعاني والمعاني لا تقوم بأنفسها حتى تملأ الطست (قلت) إنهما كناية عن شيء قابل لهما تسمية للشيء باسم صفته فلما طهر قلبه بإزالة العلقة عوض منه ذلك الشيء، قال السهيلي: ولعل ذلك الشيء الثلج لأن في بعض طرق هذا الحديث (وهو يلعب مع الغلمان فجاء بطست فيه ثلج فغسل به قلبه) لأن الثلج يشعر بثلج اليقين وبرده على الفؤاد وملئ قلبه إيمانًا وكان مؤمنًا (ليزداد الذين آمنوا إيمانًا) قال النواوي؛ وأما جعل الإيمان والحكمة في إناء وإفراغهما مع أنهما معنيان، وهذه صفة الأجسام فمعناه والله أعلم أن الطست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما فسمي إيمانًا وحكمة لكونه سببًا لهما وهذا من أحسن المجاز، والله أعلم.
قال القاضي عياض: وفي حشو قلبه حكمة وإيمانًا في الصغر دليل على ما يقوله المحققون من أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الصغر. اهـ
(ثم) بعد ما أطبق صدري وختمه (أخذ) جبريل (بيدي) اليمنى (فعرج) بفتحتين من