للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُرْفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيلِ،

ــ

بالقسط ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم، وقيل المعنى

(يخفض القسط) أي يخفض الشرع والحق بموت أهله والرجوع عن اتباعه (ويرفعه) أي

يرفع الحق ويظهره بوجود الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم.

وعبارة المفهم هنا قال ابن قتيبة: القسط الميزان وسمي بذلك لأن القسط هو العدل وذلك إنما يحصل ويعرف بالميزان في حقوقنا وأراد به هنا ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم كما قال تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} وقيل أراد بالقسط هنا الوزن الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه، وقيل إن القسط هو العدل نفسه ويراد به الشرائع والأحكام كما قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أي بالنصفة في الأحكام والعدل المأمور به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} فتارة يرفعه بمعنى يعليه ويظهره بوجود الأنبياء وأصحابهم وأتباعهم العاملين به، وتارة يخفضه بمعنى أنه يذهبه ويخفيه بدروس الشرائع ورجوع أكثر الناس عن المشي على منهاجها ويحتمل أن يكون رفعها قبضها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمانة إنها ترفع من القلوب كما رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث حذيفة رضي الله عنه، وكما قال: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة" رواه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث ابن مسعود موقوفًا عليه، بل كما قال: "عليكم بالعلم قبل أن يرفع" وخفضها إيجادها في الأرض ووضعها. والله أعلم.

وقال في بيان ثالثتها (يرفع إليه) أي إلى الله سبحانه وتعالى ولكنه على حذف مضاف أي يرفع إلى خزائنه، والمراد به المحل الذي تنتهي الملائكة إليه بأعمال العباد ولعله سدرة المنتهى كما تقدم في حديث الإسراء، وهذا كما تقول رفع المال إلى الملك أي إلى خزائنه، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (عمل الليل) أي أعمال عباده في الليل (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل النهار و) يرفع إليه (عمل النهار) أي أعمالهم في النهار (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل الليل) يعني أن الملائكة الموكلين بنا تحصي علينا عمل اليوم فترفعه في آخره بقرب الليل وكذلك في الليل ترفعه بقرب النهار، ومعناه والله أعلم يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>