قال السنوسي: وأمَّا متنُ الحديث: فهو حديثٌ عظيمٌ في نهاية من الصّحة، وقيل: إنه متواتر، قيل: رواه مئتان من الصحابة وفيهم العَشَرَةُ المشهودُ لهم بالجَنَّة رضي الله عنهم أجمعين.
ومعنى:"فليتبوأْ مقعدَه من النار": فَلْيَنْزِلْ، وقيل: فَلْيَتَّخِذْ منزلَه من النار، قال الخَطَّابِيُّ: وأصلُه من مباءة الإِبل وهي أَعْطَانُها، ثم قيل: إِنه دُعَاءٌ بلفظ الأمر، وقيل: هو خبرٌ بلفظ الأمر، معناه: فقد استوجب ذلك فليوطن نفسه عليه، وتَدُلُّ عليه الروايةُ الأخرى:"يَلِجِ النَّارَ".
ومعنى الحديث: إِنَّ هذا جزاؤه إلا أنْ يَعْفُوَ اللهُ تعالى، ثم إِنْ جُوزِيَ بالنار .. فلا يُخَلَّدُ فيها.
والكَذِبُ عند أهل السُّنَّةِ: الإِخبارُ بالشيء على خلافِ ما هو عليه، عَمْدًا كان أو سَهْوًا، وشَرَطَ فيه النَّظَّامُ وأتباعهُ من المعتزلة العَمْدَ، وهو باطلٌ، وإنما العَمْدُ شرطٌ في حصول الإِثم بالكذب لا في تسميته كذبًا، وتقييدُ الكذبِ بالعَمْدِ في الحديث يَرُدُّ على المعتزلة؛ إِذْ لو اختصَّ الكَذِبُ بالعَمْدِ .. لم يكن لتقييده به فائدة، والمسألةُ مبسوطةٌ في كتب الأُصولِ وغيرِها.
ولا شَكَّ أَنَّ الكَذِبَ عمدا كُلُّهُ حرامٌ إِلا ما استُثني، ويتأكّدُ تحريمُه في الخبر عنِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في الحقيقة كَذِبٌ على الله جَل وعلا؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يَنْطِقُ عن الهوى إِنْ هو إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، والجمهورُ على أَنَّ الكَذِبَ عليه صلى الله عليه وسلم من أعظم الكبائر، وحَكَى إِمامُ الحرمَينِ عن والده أبي محمد الجُوَيني: أَنَّ المُتَعَمِّدَ للكذب عليه صلى الله عليه وسلم كافرٌ، وهو بعيد.
ثم اختُلف على الأول هل تُقبل روايتُه إِذا تاب وحَسُنَتْ توبتُه أو لا تُقبل توبتُه في ذلك أبدًا؛ فقال بالأول جمهورُ الشافعية، واختار النوويُّ الثاني (١).
ويَقْرُبُ من الكَذِبِ عليه صلى الله عليه وسلم أر هو هو: اللَّحْنُ في حديثه، فَلْيَكُنِ المؤمنُ على تَحَفُّظِ عظيمٍ في ذلك.