و(تعالى) أي يتجلى ويظهر لهم (في صورنه) أي بصفته (التي يعرفونـ) ـه بها في الدنيا (فيقول) لهم (أنا ربكم) فاتبعوني (فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) إلى موقف الحساب، وهذه الصورة الثانية التي يعرفونها عندما يتجلى لهم الحق بها هي صفته تعالى التي لا يشاركه فيها شيء من الموجودات ولا يشبهه بشبهها شيء من المصورات، وهذا الوصف هو الذي كانوا قد عرفوه في الدنيا وهو المعبر عنه بقوله تعالى:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ولذلك قالوا إذا جاء ربنا عرفناه وفي حديث آخر يقال لهم (وكيف تعرفونه؟ قالوا إنه لا شبيه له ولا نظير) ولا يستبعد إطلاق الصورة بمعنى الصفة فمن المتداول أن يقال صورة هذا الأمر كذا أي صفته، والإتيان والمجيء المضاف إلى الله تعالى ثانيًا هو عبارة عن تجليه لهم فكأنه كان بعيدًا فقرب أو غائبًا فحضر وكل ذلك خطابات مستعارة جارية على المتعارف من توسعات العرب فإنهم يسمون الشيء باسم الشيء إذا جاوره أو كان منه بسبب. اهـ مفهم.
وقوله (فيتبعونه) أي يتبعون أمره كما يقال اتبعت فلانا على رأيه واتبعت أمره أي انقدت له وامتثلته فيكون من باب الاستعارة أي يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، ويجوز أن يكون من باب حذف المضاف أي يتبعون ملائكته ورسله الذين يسوقونهم إلى الجنة فكأنهم يتقدمون بين أيديهم دلالة وخدمة وتأنيسًا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفي المفهم (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون) هذا المقام مقام هائل يمتحن الله تعالى فيه عباده ليتميز المحق من المبطل وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراؤون متلبسين بالمؤمنين والمخلصين زاعمين أنهم منهم وأنهم عملوا مثل أعمالهم وعرفوا الله مثل معرفتهم امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع أنا ربكم فأجاب المؤمنون بمنكار ذلك والتعوذ منه لما قد سبق لهم من معرفتهم بالله تعالى وأنه منزه عن صفات هذه الصورة إذ سماتها سمات المحدثات ولذلك قال في حديث أبي سعيد (فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا) مرتين أو ثلاثًا حتى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، وهذا البعض الذي هم بالانقلاب لم يكن لهم رسوخ العلماء ولا ثبوت العارفين، ولعل هذه الطائفة هي التي إعتقدت الحق وجزمت عليه من غير بصيرة ولذلك كان اعتقادهم قابلًا للانقلاب، ثم يقال بعد هذا للمؤمنين هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها؟