مملوءة ضرْبٌ من الإطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالإطماع.
القول الثاني ما قاله أبو بكر الصيرفي: أن معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى، كأنه قال: أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له، قال: والهمزة في أتسخر للاستفهام الإنكاري بمعنى النفي قال: وهذا كلام منبسط متدلل.
والقول الثالث ما قاله القاضي عياض: من أنه يكون هذا الكلام صَدَرَ من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشًا وفرحًا، فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال: أنت عبدي وأنا ربك والله أعلم. واعلم أنه وقع في الروايات: أتسخر بي وهو صحيح، يقال سخرت منه وسخرت به والأول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضًا، وقد قال العلماء: إنه إنما جاء بالباء لإرادة معناه كأنه قال أتهزأ بي.
(قال) عبد الله بن مسعود: والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت) وظهرت عند ضحكه (نواجذه) أي أنيابه، والنواجذ بالجيم والذال، قال الجمهور من أهل اللغة وغيرهم: المراد به هنا الأنياب، وقال المازري: هي الضواحك أي الثنايا لأن ضحكه صلى الله عليه وسلم كان التبسم، وقال الأصمعي: هي الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب ما قدمناه عن الجمهور، وفي هذا الحديث جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال، والله أعلم قال النواوي: قوله (فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها) وفي الرواية الأخرى (لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا) هاتان الروايتان بمعنىً واحدٍ إحداهما تفسير للأخرى فالمراد بالأضعاف: الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف هو المثل. والله أعلم.