الكرب الذي هم فيه، ومعنى الثاني أن الله سبحانه يلهمهم سؤال ذلك والإلهام أن يُلقي الله تعالى في النفس أمرًا يحمل على فعل الشيء أو تركه (فيقولون) أي يقول بعضهم لبعض (لو استشفعنا على ربنا) أي لو طلبنا الشفاعة والواسطة إلى ربنا (حتى يُريحنا) أي لكي يُحَصَّل لنا الراحة (من) تعبنا وازدحامنا في وقوفنا في (مكاننا) وموقفنا (هذا) الموقف الرهيب أو ليزيلنا من موقفنا هذا ولو إلى النار (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتون آدم) أبا البشر (- عليه السلام -) قال الأبي: إتيانهم آدم - عليه السلام - مع علمهم في الدنيا أن المختص بهذه الشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يحتمل أنه ممن لم يعلم ذلك أو علم ولكنه علم أن الأمر هكذا يقع إظهارًا لشرفه صلى الله عليه وسلم فإنه لو بُدئ به لقيل لو بُدئ بغيره لاحتمل أن يشفع أما بعد امتناع الجميع وسُئل هو فأجاب فهو النهاية في الشرف وعلو المنزلة ويحتمل أنه ممن علم ولكنه دَهِشَ. اهـ منه (فيقولون) لآدم (أنت آدم أبو الخلق) أي أبو البشر فهو من إطلاق العام وإرادة الخاص، قال السنوسي: هذا الكلام من باب قول الشاعر:
أنا أبو النجم وشعري شعري
وهو مبهم فيه معنى الكمال لا يعلم بما يراد منه ففُسر بما بعده من قوله أبو الخلق خلقك الله بيده إلى آخره (خلقك الله) سبحانه وتعالى (بيده) التامة القدرة يعني بلا واسطة أب وأم وإلا فالكل مخلوق بيده تعالى (ونفخ فيك من رُوحه) والإضافة فيه للتشريف لا للتخصيص وإلا فأرواح الخلائق له تعالى. قال القاضي عياض: قوله (من روحه) الإضافة فيه إضافة مُلك أي مملوك إلى مالك وتخصيص وتشريف (قلت) مذهب السلف أن لله تعالى يدًا أثبتها لنفسه فنثبتها كما أثبتها لنفسه ونعتقدها من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه وهذا هو الأسلم، وتكون فائدة الاختصاص بآدم أنه تعالى خلقه بيده ابتداءً من غير سبب ولا واسطة خلق ولا أطوارٍ قَلَبه فيها وذلك بخلاف غيره من ولده ويحتمل أن يكون شرفه بالإضافة إليه كما قال {بَيتِيَ لِلطَّائِفِينَ} وقوله (ونفخ فيه من روحه) والروح هنا جبريل - عليه السلام - كما في قوله تعالى {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} وقوله {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)} وشرَّفه بالإضافة كما في قوله {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} وهو جبريل على قول أكثر