للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَال: فَيَأْتُونَ نُوحًا صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا

ــ

(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيأتون نوحًا صلى الله عليه وسلم) فيقولون له: ألا ترى إلى ما نحن فيه اشفع لنا إلى ربك (فيقول) نوح صلى الله عليه وسلم (لست هناكم) أي في المكان الذي تحسبونه فيه من الشفاعة لكم عند ربكم (فيذكر) نوح (خطيئته التي أصابـ) ـها وارتكبها اعتذارًا إليهم وهي دعوته التي أغرقت أهل الأرض حين قال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (فيستحيي ربه منها ولكن) أقول لكم نصيحة (ائتوا إبراهيم) الخليل (صلى الله عليه وسلم الذي اتخذه الله) سبحانه (خليلًا) أي جعله مُحبًا له كامل المحبة غير ناقصها أو محبوبًا له كامل المحبة غير ناقصها فهو فعيل بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، والخليل الصديق المخلص، والخُلة بضم الخاء الصداقة والمودة، ويقال فيها أيضًا خلالة بالضم والفتح والكسر، والخَلة بفتح الخاء الفقر والحاجة، والخِلة بكسرها واحدة خِلل السيوف وهي بطائن أغشيتها، والخَلل الفُرجة بين الشيئين والجمع الخِلال، واختلف في الخليل اسم إبراهيم - عليه السلام - من أي هذه المعاني والألفاظ أُخذ فقيل إنه مأخوذ من الخُلة بمعنى الصداقة وذلك إنه صَدَقَ في محبة الله تعالى وأخلص فيها حتى آثر محبته على كل محبوباته فبذل ماله للضيفان وولده للقربان وجسده للنيران، وقيل من الخَلَّة التي بمعنى الفقر والحاجة وذلك أنه افتقر إلى الله في حوائجه ولجأ إليه في فاقته حتى لم يلتفت إلى غيره بحيث آلَتْ حاله إلى أن قال له جبريل وهو في الهواء حين رُمي في المنجنيق: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، وقيل من الخَلل بمعنى الفُرجة بين الشيئين وذلك لما تخلل قلبه من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض الشعراء فقال:

قد تخلَّلتَ مَسلك الرُّوح مني ... ولذا سُمِّي الخليل خليلا

ولقد جمع هذه المعاني وأحسن من قال في الخُلة إنها صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار والغنى عن الأغيار. اهـ من المفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>