قال السهيلي: كان ابن جدعان في بدئه صعلوكًا شديدًا فاتكًا لا يزال يجني وقومه يعقلون عنه فطرده أبوه وعشيرته لثقل ما حملهم من الديات فخرج في شعاب مكة صابرًا يتمنى أن يموت فيستريح فرأى شَقًّا في جبل فتعرض للشق يرجو أن تكون فيه حية تقتله فلم ير شيئًا فدخل فيه فإذا فيه ثعبان عظيم عيناه تَتَّقِدَان كالسراج فحمل عليه الثعبان ففَرَج له فانساب عنه مستديرًا بدائرة عند باب بيته فخطا خطوة أخرى فصغر له الثعبان وأقبل عليه كالسهم فأفرج فانساب قَدَمًا لا ينظر إليه فوقع في نفسه أنه مصنوع فأمسكه بيده فإذا هو مصنوع من ذهب وعيناه ياقوتتان فكسره وأخذ عينيه ودخل البيت فإذا طُوَال على سرير لم ير مثلهم طُولًا وعظمًا وعند رؤوسهم لوح من فضة فيه تاريخهم وإذا هم رجال من ملوك جُرهم وإذا عليهم ثياب لا يُمس شيء منها إلا انتثر لطول الزمان، وفي الطُول مكتوب: أنا نفيل بن عبد الدار بن خشرم بن عبد يا ليل بن جُرهم بن قحطان بن هود نبي الله - عليه السلام - عشت خمسمائة سنة وقطعت وُعُور الأرض ظاهرها وباطنها في طلب الثروة والمجد والمُلك فلم يكُ ذلك يُنجي من الموت، وتحتها أبيات فيها عظات آخر بيت منها:
صاح هل رَيْتَ أو سمعت براع ... رد في الضرع ما قرى في الحلاب
وإذا في وسط البيت كوم من ذهب وياقوت ولؤلؤ وزبرجد فأخذ منه ما أخذ وعلم الشق وأغابه بالحجارة وأرسل إلى أبيه بالمال الذي أخرج فرَضِيَهُ ووصل عشيرته فسادهم وجعل يُنفق من ذلك الكنز ويُطعم الناس ويفعل المعروف (قال ابن قتيبة) كانت جفنة طعامه يأكل منها الراكب على بعيره، قال في غريب الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت أستظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان، انتهى من الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٣/ ١٢٣ و ٢٨٣] ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.