(أناديهم ألا) أي انتبهوا واستمعوا لما أقول (هلم) أي تعالوا وأقبلوا إلي وأنا منتظر لكم هنا، قال أهل اللغة: في هلم لغتان أفصحهما هلم للرجل والرجلين والمرأة والمرأتين والجماعة من المصنفين بصيغة واحدة، وبهذه اللفظة جاء القرآن في قوله تعالى:{هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَينَا} واللغة الثَّانية إلحاق العلامة بها تقول: هلم يا رجل وهلما يا رجلان وهلموا يا رجال، وللمرأة هلمي وللمرأتين هلمتا وللنسوة هَلْمُمْنَ (فيقال) لي أي تقول الملائكة لي (إنهم) أي إن هؤلاء المطرودين (قد بدلوا) دينك وغَيَّرُوه (بعدك) أي بعد وفاتك (فأقول سحقًا سحقًا) الثَّاني مؤكد للأول أي بعدًا وهلاكًا، ويروى زيادة "لمن غَيَّرَ بعدي"، وعبارة النواوي: قوله (سحقًا سحقًا) معناه بعدًا بُعدًا والمكان السحيق البعيد، ونصب على تقدير ألزمهم الله سحقًا أوسحقهم سحقًا أن. قال الأبي: وفي الحديث من أعلام نبوته صَلَّى الله عليه وسلم المتعلقة بالإخبار عن المغيبات أربعة: صفة أمته في الآخرة، وتبديلهم بعده، والثالث حالهم في الآخرة وتقرير الحكم فيهم، والرابع أن له صَلَّى الله عليه وسلم حوضًا في الآخرة، ويأتي الكلام عليه في بابه إن شاء الله تعالى.
وفي المفهم: اختلف العلماء في تأويله فالذي صار إليه الباجي وغيره وهو الأشبه بمساق الأحاديث أن هؤلاء الذين يقال لهم هذا القول ناس نافقوا وارتدوا من الصّحابة وغيرهم فيحشرون في أمة محمَّد صَلَّى الله عليه وسلم كما تقدم من قوله "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها" وعليهم فيما هذه الأمة من الغرة والتحجيل فإذا رآهم النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم عرفهم بالسيما ومن كان من أصحابه بأعيانهم فيناديهم: ألا هَلُمَّ، فإذا انطلقوا نحوه حِيل بينهم وبينه وأُخِذ بهم ذات الشمال، فيقول النَّبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: يا رب أمتي ومن أمتي، وفي لفظ آخر أصحابي فيقال له إذ ذاك: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وإنهم لن يزالوا مرتدين منذ فارقتهم فإذ ذاك تذهب عنهم الغرة والتحجيل ويطفأ نورهم فيبقون في الظلمات فيقطع بهم عن الورود وعن جواز الصراط فحينئذ يقولون للمؤمنين {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}[الحديد: ١٣] فيقال لهم {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد: ١٣] مكرًا وتنكيلًا ليتحققوا مقدار ما فاتهم فيعظم أسفهم وحسرتهم أعاذنا الله من أحوال المنافقين وألحقنا بعباده المخلصين، وقال الداوودي وغيره: يحتمل أن يكون هذا في أهل الكبائر والبدع الذين لم يخرجوا عن الإيمان ببدعتهم وبعد ذلك يتلافاهم الله سبحانه برحمته