للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هذا مع أَن الكتابَ أحسنُ الأحاديثِ مساقًا، وأكمل سياقًا، وأَقَلّ تكرارًا، وأتقنُ اعتبارًا، وأَيسَرُ للحِفْظِ، وأَسْرَعُ للضَّبْطِ، مع أنه ذَكَرَ صَدْرًا مِنْ علمِ الحديث، ومَيَّزَ طبقاتِ المحدثين في القديمِ والحديث (١).

ولمَّا كان هذا الكتابُ بهذه الصِّفَةِ، ومُصَنِّفُهُ بهذه الحالةِ .. خَطَرَ لي أنْ أُعَلِّقَ عليهِ شرحًا يَفُكُّ مَبَانِيَه، ويَحُلُّ معانيَه، ويُفسِّرُ غَرائبَه، ويُبيِّنُ أغراضَه متنًا وسَنَدًا، ويشرحُ متابعتَه تابعًا ومتبوعًا، لفظًا ونحوًا ومعنىً، ويُبَيِّنُ موضعَ التراجمِ من الأحاديث، ويذكرُ التراجمَ للأحاديث التي لم يُتَرْجَمْ لها، وحكمةَ ما يُدْخِلُه في خلال الأسانيد مِن نحو: (يعني)، ومراجعَ الضمائر والإِشارات في نحو قوله: (مِثْلَه) و (نحوه) و (معناه)، وفي قوله: (بهذا الإِسناد) مما قد زَلَّتْ فيه أقدامُ كثيرٍ من ضُعفاءِ الطلَبة، وغَيرِ ذلك من الفوائد التي انْفَرَدَ بها عن سائرِ شُروح السابقين مما يطولُ ذِكْرُه، ويَصْعُبُ تَعْدَادُهُ ونشرُه -فيا كوكبًا وهَّاجًا للسالكين في مَسْرَاه، وروضا بهَّاجًا للنازلِينَ في مَغْنَاهُ- فَشَمَّرْتُ ذَيلَ العَزْمِ عن ساقِ الحَزْمِ، وأتيتُ بُيوتَ التصنيفِ من أبوابِها، وقُمتُ في جامعِ جوامعِ التأليفِ بَينَ أَئِمتِهِ بمحرابها، وأطلقتُ لسانَ القلمِ في ساحَاتِ الحِكَم بعبارةٍ صريحةٍ واضحةٍ، وإِشارةٍ قريبةٍ لائحة، لَخَّصْتُها من كلامِ الكُبراء الذين رَقَتْ في معارج علومِ هذا الشأن أفكارُهم، ومن إِشاراتِ الأَلِبَّاءِ الذين أنفقوا على اقتناصِ شواردِه أَعمَارَهُم، وبَذَلْتُ الجهدَ في تَفَهُّمِ أقاويلِ الفُهماءِ المُشَارِ إِليهم بالبَنَانِ، ومُمَارَسَةِ الدواوين المُؤَلَّفةِ في هذا الشأن.

ولم أتردَّد عن الإِعادة في الإِفادة عند الحاجة إِلى البيان، ولا في ضبْط الواضح عند علماء هذا الشأن؛ قصدًا لنفع الخاصّ والعامّ، راجيًا ثوابَ ذي الطَّوْل والإِنعام.

فدُونَك شرحًا قد أشرقَتْ عليهِ مِن شُرُفاتِ هذا الجامع أضواءُ نورِه اللامع، وصَدَعَ


= المهمل" للغسّاني (١/ ٦٦ - ٦٧)، و"غرر الفوائد المجموعة" للعطار (٢/ ٧٦٤)، و"برنامج التجيبي" (ص ٩٣).
(١) يعني بـ (القديم): مَنْ تَقَدَّم زمانَ مسلم، وبـ (الحديث): زمانَ من أدركه، وهذا إِشارةٌ إِلى قول مسلم في صدر كتابه: أنه يعمدُ إِلى جملة ما أُسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات. "المفهم" (١/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>