صنعت ذلك الجمع حالة كوني عامدًا ليدل ذلك الفعل على أن كل من أراد القيام إلى الصلاة لا يجب عليه الوضوء إذا لم يكن محدثًا على ما يتوهم من آية {يا أيها الذين إذا قمتم إلى الصلاة} الآية، لأن تقدير معنى الآية إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم مُحدِثون {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، وأما قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه ففيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانًا للجواز كما قال صلى الله عليه وسلم: عمدًا صنعته يا عمر، وفي هذا الحديث جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة، لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد تكون تعمدا لمعنى خفي على المفضول فيستفيده والله أعلم، اهـ. نواوي.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أبو داود [١٧٢] والترمذي [٦١] والنسائي [١/ ٨٦] وفي المفهم: قوله (عمدًا فعلته يا عمر) أي قصدًا ليبين للناس أنه يجوز أن يصلي بوضوء واحد صلوات متعددة وهذا أمر لا خلاف فيه وعليه ما ذهب إليه بعض الناس أن الوضوء لكل صلاة كان فرضًا خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه نسخ ذلك بفعله هذا، قال الشيخ: لا يصح أنه كان فرضًا على النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان يفعله ابتغاءً لفضيلة التجديد كما في حديث أنس أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، قيل لأنس: كيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنا نتوضأ وضوءًا" أي لصلوات متعددة رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي: إنه صحيح.
قال النواوي: وفي هذا الحديث أنواع من العلم منها جواز المسح على الخف، وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يُحدث، وهذا جائز بإجماع من يعتد به، وحكى الطحاوي وابن بطال في شرح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة كان كان متطهرًا واحتجوا يقول الله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد، ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس في صحيح البخاري: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ