وهو قول أكثر الفقهاء، ويحتج للأول بالقياس على باقي المياه النجسة فإنه لا تجب إراقتها بلا خلاف، ويمكن أن يجاب عنها: بأن المراد في مسألة الولوغ الزجر والتغليظ والمبالغة في التنفير عن الكلاب، والله أعلم.
وفيها وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلاب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير، وقال أبو حنيفة: يكفي غسلها ثلاث مرات، والله أعلم. وأما الجمع بين الروايات فقد جاء في رواية سبع مرات أولاهن بالتراب، وفي رواية أخراهن أو أولاهن، وفي رواية سبع مرات السابعة بالتراب، وفي رواية سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب، وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد إحداهن، وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا، والله أعلم.
واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئًا طاهرًا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في إناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا: الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات، والثاني يجب لكل ولغة سبع، والثالث يكفي لِوَلَغَات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الإناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وقيل يقوم، ولا يقوم الصابون والأُشْنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح، ولا فرق بين وجود التراب وعدمه على الأصح، ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه فلم يزل عينه إلا بست غسلات مثلًا فهل يحسب ذلك ست غسلات أم غسلة واحدة أم لا يحسب من السبع أصلًا؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها واحدة.
وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في هذا كله لأنه أسوأ حالًا منه، هذا مذهبنا، وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعًا، وهو قول الشافعي وهو قوي في الدليل.