قال أصحابنا: ومعنى الغسل بالتراب أن يَخْلِط التراب في الماء حتى يتكَدَّر ولا فرق بين أن يصب الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكَدِر من موضعه فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزيء ولا يجب إدخال اليد في الإناء بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه، ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما يُنَظِّفُه، والأفضل أن يكون في الأولى.
ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبًا أو بدنًا أو إناءً آخر وجب غسله سبعًا إحداهن بالتراب، ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد أُلْقِي ما أصابه وما حوله وانتُفِع بالباقي على طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما قوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال ما بالهم وبال الكلاب، ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي الرواية الأخرى وكلب الزرع فهذا نهي عن اقتنائها، وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتني كلبًا إعجابًا بصورته أو للمفاخرة به أو للعداوة على الجيران فهذا حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء: وهي الزرع، والماشية، والصيد، وهذا جائز بلا خلاف، واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليُعَلَّم فمنهم من حرمه لأن الرخصة إنما وردت في الثلاثة المتقدمة، ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناها، واختلفوا أيضًا في من اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد، والله أعلم.
وأما الأمر بقتل الكلاب فقال أصحابنا: إن كان الكلب عقورًا قُتِل، وإن لم يكن عقورًا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكورة أو لم يكن، قال أبو المعالي إمام الحرمين: والأمر بقتل الكلاب منسوخ، قال: وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب مرةً، ثم صح أنه نهى عن قتلها، قال: واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه، قال: وأمر بقتل الأسود البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ هذا كلام إمام الحرمين، ولا مزيد على تحقيقه، والله سبحانه وتعالى أعلم.