فيهما عطفًا على محل النهي، ثم إن الماء الكثير مخرج عنه بالإجماع لأنه في معنى الجاري.
قال النواوي: وهذا النهي في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة فإن كان الماء كثيرًا جاريًا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث، ولكن الأَولى اجتنابه وإن كان قليلًا جاريًا، فقد قال جماعة من أصحابنا يكره، والمختار أنه يحرم لأنه يُقَذِّرُه وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره وَيغُرُّ غيره فيستعمله مع أنه نجس وإن كان الماء كثيرًا راكدًا، فقال أصحابنا: يكره ولا يحرم، ولوقيل يحرم لم يكن بعيدًا فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين والأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه، وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لأنه يُنَجِّسه ويتْلِفُ ماليَّتَه وَيغُرُّ غيره باستعماله. قال العلماء: ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء، وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه فإن كان قليلًا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطُّخِه بالنجاسة وتنجيس الماء وإن كان كثيرًا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه فإن كان جاريًا فلا بأس به، وإن كان راكدًا فليس بحرام ولا تظهر كراهته، لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه ولو اجتنب الإنسان هذا كان أحسن، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ. من منهاج النواوي. وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان الأول منهما: حديث جابر ذكره للاستدلال به على الترجمة، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد به وذكر فيه متابعة واحدة، والله أعلم.