وفي هذا حجة للجمهور على أن الأرض النجسة لا يطهرها الجفوف بالشمس ونحوها بل الماء، وقال أبو حنيفة: إنما تطهر بالحفر ورمي المصاب بالنجس.
قال النواوي: أما الأحكام المستنبطة من هذا الحديث فكثيرة منها إثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير بإجماع من يُعتد به لكن بول الصغير يكفي فيه النضح، كما سيأتي في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، ومنها احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار، ومنها الأرض النجسة تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها خلافًا لأبي حنيفة فإنه قال: لا تطهر إلا بحفرها كما مر آنفًا، ومنها أن غُسَالة النجاسة طاهرة وهذه المسئلة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه؛ أحدهما أنها طاهرة مطلقًا، والثاني أنها نجسة مطلقًا، والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة، وإن انفصلت ولم يطهر المحل فهي نجسة؛ وهذا الثالث هو الصحيح، وهذا الخلاف إذا انفصلت غير متغيرة، أما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة بإجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها، وسواء كان التغير قليلًا أو كثيرًا، ومنها الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء إذا لم يأت بالمخالفة عنادًا أو استخفافًا، ومنها دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) قال العلماء كان في قوله صلى الله عليه وسلم (دعوه) مصلحتان أحدهما أنه لو قُطِعَ عليه بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به، والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله تنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد، ومنها أن في قوله صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ... ) إلخ صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والأوساخ ورفع الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود، وما في معنى ذلك كالنكاح والطلاق والاقتصاص، قال القرطبي: وفي هذا حجة لمالك في منع إدخال الميت المسجد وتنزيهها عن الأقذار جملة؛ فلا يقص فيها شعر ولا ظفر، ولا يُتَسَوَّك فيها لأنه من باب إزالة القذر، ولا يُتَوضأ فيها، ولا يؤكل فيها طعام منتن الرائحة إلى غير ذلك مما في هذا المعنى، اهـ.
قال الأبي: ومنع في المدونة أن يبصق على حصيره ويدلكه أو فيه وهو غير محصب، قال: ويبصق في المحصب تحت قدمه أو أمامه أو عن يمينه أو عن شماله،