قال النواوي: وأما أحكام الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام، أحدها: أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا حرام بإجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة, قال أصحابنا: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرًا مرتدًا، ولو فعله إنسان غير معتقد حله فإن كان ناسيًا أو جاهلًا بوجود الحيض، أو جاهلًا بتحريمه أو مُكْرَهًا فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن وطئها عامدًا عالمًا بالحيض والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية كبيرة، نص الشافعي على أنها كبيرة وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان أصحهما: وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه، وممن ذهب إليه من السلف عطاء وابن أبي مُليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين.
والقول الثاني؛ وهو القديم الضعيف أنه يجب عليه الكفارة، وهو مروي عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير وقتادة والأوزاعي وإسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه، واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن وسعيد: عتق رقبة، وقال الباقون: دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب الدينار أو نصف الدينار، هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره؟ أو الدينار في زمن الدم ونصفه بعد انقطاعه؟ وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع (من أتى امرأته وهي حائض فليتصدق بدينار أو نصف دينار) وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب أن لا كفارة، والله أعلم.
القسم الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء، وقد نقل الإسفرايني وجماعة كثيرة الإجماع على هذا، وأما ما حكي عن عَبِيدة العلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئًا منها بشيء منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول، ولو صح عنه لكان مردودًا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرها في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار وإذنه في ذلك.
والقسم الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، وفيها ثلاثة