الحديث، ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين، وبحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل، وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم، وعند الشافعية ففي الأفضل قولان كما مر عن النواوي، قالت ميمونة رضي الله تعالى عنها (ثم) بعد فراغه من غسله (أتيته) أي جئته صلى الله عليه وسلم (بالمنديل) بكسر الميم وهو ما يُنَشَفُ به البدن أو يُتَمَسَّح به من الوسخ (فردَّه) أي رد المنديل عليَّ فلم يأخذه مني أي أتيته بالمنديل ليتمسح به فرده أي لم يأخذه مني كما في رواية البخاري، قال ملا علي: إما لأنه أفضل إبقاءً لأثر العبادة أو لكونه مستعجلًا أو لأن الوقت كان حَرًّا والبلل مطلوب، ومع هذه الاحتمالات فالحديث لا يصلح أن يكون دليلًا على سنية ترك التنشيف أو كراهة فعله. اهـ لأنه ارتدى ثوب الاحتمال.
وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [٢٥٧] وأبو داود [٢٤٥] والترمذي [١٠٣] والنسائي [١/ ١٣٧].
قال النواوي: قولها (ثم أتيته بالمنديل فرده) فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقد اختلف أصحابنا في تنشيف الأعضاء في الوضوء والغسل على خمسة أوجه: أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه، والثاني مكروه، والثالث إنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الذي نختاره فإن المنع والاستحباب يحتاج إلى دليل ظاهر، والرابع أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ، والخامس يكره في الصيف دون الشتاء، هذا ما ذكره أصحابنا وقد اختلف الصحابة وغيرهم في التنشيف على ثلاثة مذاهب: أحدها أنه لا باس به في الوضوء ولا في الغسل وهو قول أنس بن مالك والثوري، والثاني مكروه فيهما وهو قول ابن عمر وابن أبي ليلى، والثالث يكره في الوضوء دون الغسل وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء في ترك التنشيف هذا الحديث والحديث الآخر في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماءا، وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة، قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء. اهـ.