وإنما عدل عن المقارنة إلى التحويل، مع أن شيخَ شيخَيه واحد وهو سفيان؛ تورعًا من الكذب على أحَدِ شَيخَيهِ لو جمَعَهما، فلو قال:(حدثنا محمد بن أبي عُمَرَ، وأبو بكرِ بن خَلَّادٍ قالا: حدثنا سفيانُ) .. لكان كاذبا على أبيِ بكر بنِ خَلاد؛ لأنه إنما سَمِعَهُ وهو مُنْفَرِدٌ، وأبو بكرٍ أيضًا إنما سمع سفيانَ وهو مُنْفرِدٌ؛ لأن قولَه:(سَمِعْتُ سفيانَ) بمعنى (حدثني سفيان).
ولو قال:(حَدَّثَني محمد بن أبي عُمَرَ وأبو بكرٍ) .. لكان كاذبًا على محمد بن أبي عُمَرَ؛ لأنه إنما سمعه منه ومعه غيرُه، ففائدةُ التحويلِ هنا التورُّع من الكذب على أحَدِ شَيخَيهِ، مع بيان كثرة طُرُقِهِ، فانتَبهْ لهذه الدقيقة؛ فإنها كثيرة في "جامع الإمام مسلم".
وأتَى بقوله:(واللفْظُ له) أَي: واللفْظُ الآتي لأبي بكرِ بنِ خَلادٍ لا لمحمد بن أبي عُمَرَ؛ لأنه إنما رَوَى معناه لا لفظَه تَحَرُّزًا من الكذب على محمد بن أبي عُمر، لأنه لو لم يَأتِ بهذه الجملةِ .. لأوْهَمَ أن الشيخَينِ كليهما رَوَيا اللَّفظَ الآتي، مع أن الراويَ له هو أبو بكرٍ فقط. فتَدَبرْ.
(قال) أبو بكرِ بن خلَّاد: (سَمِعْتُ سفيانَ بنَ عُيَينةَ) الكوفي الأعورَ يَرْوي (عن مِسْعَرِ) -بكسر الميم وسكونِ السين المهملة وفتحِ العين المهملة- ابن كِدَام -بكسر أوله وتخفيفِ ثانيه- ابن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، أحد الأئمة الأعلام.
روى عن عطاء وسعيد بن أبي بُرْدة والحَكَم وخَلْقٍ، ويروي عنه (ع) وسُلَيمَانُ التَّيمِي -وهو أكبر منه- وشعبةُ والثورِي -وهما من أقرانه- وخَلْق، قال محمد بن بشر: كان عنده ألفُ حديث.
وقال في "التقريب": ثقةٌ ثَبْتٌ فاضلٌ، من السابعة، مات سنة ثلاثٍ أو خمسٍ وخمسين ومائة، وليس في مسلم (مِسْعَرٌ) إلا هذا.
(قال) مِسْعَرُ بن كِدَام: (سَمِعْتُ سَعْدَ بنَ إبراهيمَ) بنِ عبد الرحمن بن عوف الزهْريَّ المدنيَّ قاضيَ المدينة.