. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال النووي: (معنى هذه الحكايةِ: أنه لا يُقْبَلُ الحديثُ إلا بإسنادٍ صحيحٍ.
وقولُه "مَفَاوزَ": جمعُ مَفَازَةٍ، وهي الأرضُ القَفْرُ البعيدةُ عن العمارةِ وعن الماء التي يُخَافُ الهلاكُ فيها.
قيل: سُمِّيَتْ مَفَازَةً للتفاؤُلِ بسلامةِ سالِكها كما سمّوا اللدِيغَ سليمًا، وقيل: لأن مَنْ قَطَعَهَا .. فازَ ونجا، وقيل: لأنها تُهْلِكُ صاحبَها، يقال: فَوزَ الرجلُ إذا هَلَكَ.
ثُمَّ إن هذه العبارةَ التي استعملها هنا استعارة حَسَنة، وذلك لأن الحَجاجَ بنَ دينارٍ هذا من تابعي التابعين، فأقَلُّ ما يُمْكِنُ أن يكون بينَهُ وبينَ النبي صلى الله عليه وسلم اثنان: التابعي والصحابيُّ، فلهذا قال "بينهُما مَفَاوزُ" أي: انقطاع كثير.
وأمَّا قولُه: "فليس في الصدَقَةِ اختلافٌ" فمعناه: أن هذا الحديث لا يُحْتَج به ولكنْ مَنْ أرادَ بِرَّ والديهِ .. فليتصدق عنهما؛ فإن الصدقة تَصِلُ إلى الميت، ينتفعُ بها بلا خلافٍ بين المسلمين؛ وهذا هو الصواب.
وأما ما حكاه أقضى القُضاةِ أبو الحسن المَاوَرْدِي البصري الفقيهُ الشافعي في كتابه "الحاوي" عن بعض أصحاب الكلامِ مِنْ أن الميتَ لا يَلْحَقُه بعد موته ثواب .. فهو مذهبٌ باطلٌ قَطْعًا، وخَطَأٌ بيِّن مُخَالِف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا التفاتَ إليه ولا تعريجَ عليه.
وأما الصلاةُ والصومُ: فمذهبُ الشافعي وجماهيرِ العلماء: أنه لا يَصِلُ ثوابُهما إلى الميت، إلا إذا كان الصومُ واجبًا على الميت فقَضَاهُ عنه وَليه أو مَنْ أذِنَ له الوَلي .. فإن فيه قولَينِ للشافعي، أشهرُهما عنه: أنه لا يَصِح، وأصَحهما عند مُحَقِّقي متأخري أصحابهِ: أنه يصِح، وستأتي المسألةُ إنْ شاء الله تعالى في كتاب الصيام.
وأمَّا قراءةُ القرآنِ: فالمشهورُ من مذهب الشافعي أنه لا يصِلُ ثوابُها إلى الميت، وقال بعضُ أصحابِه: يصِل ثوابُها إلى الميت، وذَهَبَ جماعاتٌ من العلماء إلى أنه يصِلُ إلى الميت ثوابُ جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءةِ وغير ذلك.
وفي "صحيح البخاري" في "باب مَنْ مات وعليه نَذْرٌ" (١): أن ابنَ عُمَرَ أمَرَ مَنْ
(١) "فتح الباري" (١١/ ٥٨٣) في كتاب الأَيمان والنذور في ترجمة (٣٠ - باب مَن مات وعليه =