(أنا) قرأتها يا رسول الله (ولم أُرِد بها) أي لم أقصد بقراءتها (إلا الخير) أي إلا إرادة الخير والأجر لا التشويش عليك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (قد علمت) وتيقنت في صلاتى (أن بعضكم) أيها المصلون معي (خالجنيها) أي نازعني قراءة هذه السورة وجاذبنيها وخالطنيها وشاركنيها كأنه ينزع هذه السورة من لساني وأنا أنزع من لسانه وخلَّط علي قراءتَها بجهره قراءتها وشوش قراءتي علي وخبطني فيها والمخالجة هي المجاذبة والمنازعة، قال الخطابي: وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا خرج مخرج التثريب واللوم لمن فعل ذلك.
قال القاضي: وقد يحتج بهذا الحديث من يمنع القراءة جملة خلف الإمام ولا حجة له فيه لأنه لم ينه عنها، وإنما أنكر مجاذبته للسورة ومشاركته في قراءتها بالجهر في قراءتها فقال:"وقد علمت أن بعضكم خالجنيها" أي شاركني في قراءتها وخبطها علي ولم ينههم عن القراءة بالجملة كما نهاهم في صلاة الجهر وأمرهم بالإنصات، وإنما ينصت لما يسمع بل في هذا الحديث حجة على أنهم كانوا يقرؤون خلفه، ولعل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم كان لجهر الآخر عليه فيها أو ببعضها حين خلَّط ولبَّسَ عليه قراءته وشوشه فيها لقوله خالجنيها وأن نهيه أن يقرأ معه إنما كان فيما جهر فيه، ففي هذا الحديث القراءة في صلاة الظهر والعصر، وقد جاء في هذا الحديث من أكثر الطرق صلاة الظهر بغير شك، وفيه حجة لتطويل القراءة في الظهر وأنه لا يقرأ فيها بقصار المفصل، وقصار المفصل عند المالكية والشافعية والحنابلة هي من الضحى إلى آخر القرآن، وعند الحنفية من البينة إلى آخر القرآن اهـ من إكمال المعلم.
قال السندي على النسائي: والظاهر أنه قال ذلك نهيًا وإنكارًا عليه، نعم هو إنكار لما سوى الفاتحة دونها والله أعلم اهـ. قال النواوي: ومعنى هذا الكلام الإنكار عليه، والإنكار في جهره أو رفع صوته بحيث أسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرؤون السورة في الصلاة السرية، وفيه إثبات قراءة السورة في الظهر للإمام والمأموم وهذا الحكم عندنا، ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرؤها في الجهرية وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته من غير استماع ولو كان في الجهرية بعيدًا عن الإمام لا يسمع قراءته فالأصح أنه يقرأ السورة لما ذكرناه والله أعلم.