وقد مال الداودي إلى أن هذا الاستهام في أذان الجمعة أي لو علموا ما فيه لتسابقوا إليه ولاقترعوا عليه أيهم يؤذنه، وهذا الضمير الذي في (عليه) اختلف فيه على ماذا يعود؟ فقال ابن عبد البر: إنه يعود على الصف الأول وهو أقرب مذكور قال وهذا وجه الكلام، وقيل إنه يعود على معنى الكلام المتقدم فإنه مذكور ومقول ومثل هذا قوله تعالى في سورة الفرقان:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} أي ومن يفعل المذكور، قيل وهذا أولى من الأول لأنه إذا رجع إلى الصف بقي النداء ضائعًا بلا فائدة له.
قال الأبي: والأولى عندي أنه يعود على الثواب المفهوم من السياق أي لو يعلم الناس ثواب النداء والصف ثم لم يجدوا الوصول إليه إلا بالاستهام لاستهموا، والاستهام تمثيل واستعارة لتحصيل السبق إليه أي لو كان مما لا يقدر عليه إلا بالاستهام، ومثل هذا في كلام العرب كثير وحمله على هذا يسقط الإشكال المذكور في الاستهام على الأذان، وقوله (لاستهموا) أي لتقارعوا عليه، وقوله (ما في التهجير) والتهجير التبكير للصلوات قاله الهروي، وقيل المراد هنا به المحافظة على الجمعة والظهر فإنها التي تفعل في وقت الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار ويقال هَجَر القومُ وأَهْجَروا صاروا في الهاجرة، وعتمةُ الليل ظلمته وكانت الأعراب تحلب عند شدة الظلمة حلبة وتسميها العتمة فكان لفظ العتمة صار مشتركا بين خسيس وهي الحلبة وبين نفيس وهي الصلاة فنهي عن إطلاق لفظ العتمة على الصلاة ليرفع الاشتراك، وحيث أمن الاشتراك جاز الإطلاق وقيل إنما نهي عن ذلك ليتادب في الإطلاق وليقتدى بما في كتاب الله تعالى من ذلك، وليجتنب إطلاق الأعراب فإنهم عدلوا عما في كتاب الله تعالى من ذلك.
قال النواوي: وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة، وقد ثبت النهي فيما رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمر من قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يخنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، وتقول الأعراب هي العشاء" فبينهما معارضة. والجواب عنه من وجهين: أحدهما أن هذه التسمية بيان للجواز، وأن ذلك النهي ليس للتحريم، والثاني هو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظ العشاء في المغرب، فلو قال لو يعلمون ما في