بعد إحرامهم والغالب أن سماعهم له إنما يكون مع إصغاء، ففيه حجة لمن أجاز الإنصات في الصلاة لسماع خبر يسير اهـ أبي. يا (أيها الناس إنه) أي إن الشأن والحال (لم يبق) الآن (من مبشرات النبوة) أي من أول ما يبدو منها، مأخوذ من تباشير الصبح وهو أول ما يبدو منه وهو كقول عائشة "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي" الحديث، وفيه أن الرؤيا من المبشرات سواء رآها المسلم أو رآها غيره يعني لم يبق لانقطاعها بموته صلى الله عليه وسلم، وقوله من مبشرات النبوة أي من مباديها (إلا الرؤيا الصالحة) قال الأبي: يعني بالصالحة الملائمة لا الصادقة لأن الصادقة قد تكون مؤلمة، وقلنا يعني ذلك لقوله من المبشرات لأن التبشير إنما يكون بالمحبوب إلا أن مدلول الرؤية ظني ومبشرات النبوة يقيني (يراها المسلم) وتخصيصها بالمسلم لأنه الذي يناسب حاله حال النبي في صدق الرؤيا (أو ترى له) على صيغة المجهول أي رآها غيره له (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن) أي انتبهوا واعلموا معالم دينكم إني نهيت أي نهاني ربي عن قراءة القرآن فاتحة أو غيرها حالة كوني (راكعًا أو ساجدًا) أي ملتبسًا بهذين الركنين، والنهي له نهي لأمته كما يشعر بذلك قوله في الحديث: "أما الركوع ... " الخ ويشعر به أيضًا ما في صحيح مسلم وغيره إن عليًّا قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا" وهذا النهي يدل على تحريم قراءة القرآن في الركوع والسجود، وفي بطلان الصلاة بالقراءة حالة الركوع والسجود خلاف، قال الخطابي: لما كان الركوع والسجود وهما غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهى - عليه السلام - عن القراءة فيهما كأنه كره أن يجمع بين كلام الله تعالى وكلام الخلق في موضع واحد فيكونان سواء، ذكره الطيبي. وفيه أَن ينتقض بالجمعِ بينهما في حالِ القيام، وقال ابن الملك: وكان حكمته أن أفضل أركان الصلاة القيام وأفضل الأذكار القرآن فجعل الأفضل للأفضل، ونهى عن جعله في غيره لئلا يوهم استواءه مع بقية الأذكار، وقيل: خصت القراءة بالقيام أو القعود عند العجز عنه لأنهما من الأفعال العادية ويتمحضان بالقراءة للعبادة بخلاف الركوع والسجود لأنهما بذواتهما يخالفان العادة ويدلان على الخضوع والعبادة.