ذلك (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (خبرني) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة أي أخبرني (ربي أني سأرى علامة في أمتي) قال الأبي: الأظهر أنها علامة على طلب كثرة الاستغفار والتسبيح له، وحملها ابن عباس على أنها علامة على اقتراب أجله لأنه أجاب عمر حين سأله عن تفسير الآية فقال: نَعَى له نفسه فيحتمل أنه لم ير الحديث أو رآه فحمله على أنها علامة على اقتراب أجله اهـ (فإذا رأيتها كثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها) أي فقد رأيت تلك العلامة الآن فأنا أكثر الاستغفار والتسبيح لربي شكرًا له على تلك العلامة، وتلك العلامة ما ذكره الله تعالى وخَبَّرنِيهَا بقوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} أي حصل نصر الله لك على أعدائك {وَالْفَتْحُ}[النصر: ١]) أي (فتح مكة) وغلبتها {وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}[النصر: ٢]) أي زمرًا زمرًا جماعة جماعة ({فَسَبِّحْ}) أي اعتقد بقلبك تنزيه الله عن النقائص؛ حالة كونك ملتبسًا ({بِحَمْدِ رَبِّكَ}[النصر: ٣]) بلسانك أو قل سبحان الله وبحمده ({وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ}) تعالى ({كَانَ تَوَّابًا}[النصر: ٣]) أي كثير التوبة على عباده، واستغفاره صلى الله عليه وسلم هو تعليم لأمته أو تواضع منه إذ لا ذنب له أو ترق في المقامات فيستغفر من كل مقام ارتقى عنه وإن كان أدناها لا يلحق كما قال بعضهم:
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجلُّ من الدهر
ففي استغفاره صلى الله عليه وسلم شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له، والله أعلم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم أستغفرك وأتوب إليك حجة على أنه يجوز بل يستحب له ذلك، وحكي عن بعض السلف كراهته له لئلا يكون كاذبًا، قال: بل يقول اللهم اغفر لي وتب علي، وهذا الذي قاله من قوله اللهم اغفر وتب علي، حسن لا شك فيه، وأما كراهة قوله أستغفر الله وأتوب إليه فلا يوافق عليها اهـ نواوي، ويستنبط من الحديث استحباب الإكثار من ذلك آخر العمر اهـ.