ماض، وقوله (وكانت وجوههم) أولًا موجهة (إلى) جهة (الشام) تفسير من الراوي للتحول المذكور، والضمير في فاستقبلوها ووجوههم لأهل قباء أو للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، وفي رواية (فاستقبِلوها) بكسر الموحدة بصيغة الأمر، والضمير لأهل قباء، قال النواوي: والكسر أفصح وأشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده اهـ، قال القسطلاني: ويؤيده ما عند البخاري في التفسير "وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها"(فاستداروا) أي تحول أهل قباء من الشام (إلى الكعبة) وهم في صلاتهم بأن تحول الإمام من مكانه مقدم المسجد إلى مؤخره، ثم تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحول النساء حتى صرن خلف الرجال كما مر بيانه، واستشكل هذا لما فيه من العمل الكثير في الصلاة، وأجيب باحتمال وقوعه قبل التحريم أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة. واستنبط من الحديث أن الذي يؤمر به عليه الصلاة والسلام يلزم أمته وأن أفعاله يُؤْتَسَى بها كأقواله حتى يثبت دليل على الخصوصية وأن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه وقبول خبر الواحد اهـ قسطلاني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [٤٠٣] والترمذي [٣٤١] والنسائي [٢/ ٦١].
وقال الحافظ: وهذا الحديث لا يعارض حديث البراء في الصحيحين أنهم كانوا في صلاة العصر لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر اهـ.
قلت: ها هنا اختلاف آخر وهو أنه وقع في رواية الترمذي (فصلى معه صلى الله عليه وسلم رجل) وفي حديث عمارة بن أوس أن التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة إحدى صلاتي العشي، وهكذا في حديث عمارة بن رويبة وحديث تويلة، وفي حديث أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر، والجمع بين هذه الروايات أن من قال إحدى صلاتي العشي شك هل هي الظهر أو العصر، وليس من شك حجة على من جزم، فنظرنا فيمن جزم فوجدنا بعضهم قال الظهر وبعضهم قال العصر ووجدنا رواية العصر أصح لثقة رجالها وإخراج البخاري لها في صحيحه، وأما حديث كونها الظهر ففي إسنادها مروان بن عثمان وهو مختلف فيه، وأما رواية أن أهل قباء كانوا في صلاة الصبح فيمكن أنه أبطأ الخبر عنهم إلى صلاة الصبح كذا في النيل اهـ تحفة الأحوذي.