قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ. وَقَدْ جَاءَ الله بَالإِسْلامِ. وَإِن مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ
ــ
قال النواوي: معناه إنما هو هذا المذكور ونحوه فإن التشهدَ والدعاء والتسليمَ مِن الصلاة وغير ذلك من الأذكار المشروع فيها فمعناه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع.
وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالمًا عامدًا، قالت الشافعية: إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته، وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلانًا لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سرًّا هذا مذهب الشافعي وبه قال مالك وغيره، وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به، والأول أظهر لأنه ذكر، والسنة في الأذكار في الصلاة الإسرار إلا ما استثنيَ من القراءة في بعضِها ونحوها انتهى.
قال معاوية بن الحكم (قلت يا رسول الله إني حديث عهد) وصحبة أو قريب عهد وزمن (بجاهلية) أي بزمن جاهلية الذي يكثر فيه الجهل بالله ورسوله، والجار والمجرور إما متعلق بعهد أو بقريب، والجاهلية ما قبل ورود الشرع، سموا جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشهم، وفي بعض الهوامش (قوله حديث عهد بجاهلية) أي قريب العلم والحال بها يعني أن علمه بأحكام الإسلام جديد غير راسخ اهـ.
(وقد جاء الله) سبحانه وتعالى (بالإسلام) والخير العظيم بعد الجهل الخطير والضلال البعيد (و) من ضلالِنا وجَهالتِنا ما أذكره وأقول لك (إن منا) معاشر الجاهلية (رجالًا يأتون الكهان) ويصدقون ما يقولون، والكهان بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن ككاتب وكتاب وهو من يدعي معرفة ما غاب عنه، قال الخطابي: والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن من يخبر عن وقوع المستقبلات ويدعي معرفة الأسرار ثم من الكهان من يزعم أن له رِئْيًا من الجن يخبره، ومنهم من يزعم أنه يعرف ذلك بفهمٍ أُعطيه، والعراف من يدعي معرفة الضالة والسرقة والسارق والمسروق ومن يتهم بالمرأة ونحو ذلك، والحديث يدل على منع إتيان الكهان ومن في معناهما من العراف وغيره