للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَال: "فَلَا تَأْتِهِمْ" قَال: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ

ــ

وتصديقهم في أَقْوَالِهمْ اهـ أبي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلا تأتهم) أي لا تأت الكهان، قال المازري: لأن إتيانهم يجر إلى تغيير الشرع بما يلبِّسُون به من إخبارهم عن الغيب، قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في مغيبات قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الناس بسيب ذلك ولأنهم يلبسون على الناس كثيرًا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان وهو حرام بإجماع المسلمين اهـ عون، قال القرطبي: وقد كانت في الجاهلية في كثير من الناس شائعة فاشية، وكان أهل الجاهلية يترافعون إلى الكهان في وقائعهم وأحكامهم ويرجعون إلى أقوالهم كما فعل عبد المطلب حيث أراد ذبح ابنه عبد الله في نذر كان نذره فمنعته عشيرته من ذلك وسرى أمرهم حتى ترافعوا إلى كاهن معروف عندهم فحكم بينهم بأن يفدوه بمائة من الإبل على ترتيبٍ ذُكِرَ في السيرة، وإنما كان الكاهن يتمكن من التكهن بواسطة تابعة من الجن وذلك أن الجني كان يسترق السمع فيخطف الكلمة من الملائكة فيخبر بها وليَّه فيتحدَّث بها ويزيد معها مِائة كَذْبَةٍ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تلك الكلمةُ مِن الجن يخطفها الجنيُّ فيَقُرُّهَا في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة" رواه البخاري [٥٧٢٦] ومسلم [٢٢٢٨] فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم أرسلت الشهب على الجن فلم يتمكنوا مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك فانقطعت الكهانة لئلا يجر ذلك إلى تغيير الشرع ولبس الحق بالباطل لكنها وإن كانت قد انقطعت فقد بقي في الوجود قوم يتشبهون بأولئك الكهان فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اتباعهم لأنهم كذبة مخرفون (أي مختلقون للكذب والإفك) مبطلون ضالون مضلون فيحرم إتيانهم والسماع منهم، وقد كثر هذا النوع في كثير من نساء الأندلس وكثير من رجال غير الأندلس، فليحذر الإتيان إليهم والسماع منهم (قال) معاوية بن الحكم (ومنا) معاشر الجاهلية (رجال يتطيرون) أي يتشاءمون بمرور الطير عن يمينه إلى يساره، وفي القرطبي: الطيرة مصدر طار يطير طيرة وطيرانًا، وأصلها أن العرب كانوا إذا خرج الواحد منهم في حاجة نظر إلى أول طائر يراه فإن طار عن يمينه إلى يساره تشاءم به وامتنع عن المضي في تلك الحاجة، وإن طار عن يساره تيمن به ومضى في حاجته، وأصل هذا أن الرامي للطير إنما يصيب ما كان عن يساره ويخيب ما كان عن يمينه فسمي التشاؤم تطيرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>