بذلك اهـ، وفي النهاية الطير بكسر الطاء وفتح الياء وقد تسكن هي التشاؤم بالشيء وهو مصدر تَطِيرُ طِيَرةً كما تقول تَخِيرُ خِيَرةً ولم يجيء من المصادر غيرهما وأصل التطير التفاؤل بالطير واستعمل لكل ما يتفاءل به ويتشاءم وقد كانوا في الجاهلية يتَطيَّرُون بالصيد كالطير والظبي فيتيمنون بالسوانح ويتشاءمون بالبوارح، والبوارح على ما في القاموس من الصيد ما مر من ميامنك إلى مياسرك والسوانح ضدها وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم ويمنع عن السير إلى مطالبهم فنفاه الشرع وأبطله ونهاهم عنه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ذاك) التطير (شيء يجدونه) أي يجده أهل الجاهلية (في صدورهم) أي في قلوبهم؛ يعني هذا وَهمٌ ينشأ من نفوسهم بتسويل الشيطان ليس له تأثير في اجتلاب نفع أو دفع ضر، وإنما هو شيء يُسوِّله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقادِ مؤثِّرٍ غير الله تعالى وهو لا يحل باتفاق العلماء، وقال النواوي: قال العلماء معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة ولا عتب عليكم في ذلك فإنه غير مكتسب لكم فلا تكليف به ولكن لا تمنعوا بسببه من التصرف في أموركم فهذا هو الذي تقدرون عليه وهو مكتسب لكم فيقع به التكليف فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن العمل بالطيرة والامتناع من تصرفاتهم بسببها (فلا يصدنهم) أي فلا يمنعنهم التطير عن مقاصدهم لأنه لا يضرهم ولا ينفعهم ما يتوهمونه، وقال الطيبي: أي لا يمنعنهم عما يتوجهون إليه من المقاصد أو من سواء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم، فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهرًا وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصدر (قال) محمد (بن الصباح) في روايته (فلا يصدنكم) بضمير المخاطبين.
قال القرطبي: ومعنى ذلك أن الإنسان بحكم العادة يجد من نفسه نفرة وكراهة مما يتطير به فينبغي له أن لا يلتفت إلى تلك النفرة ولا لتلك الكراهة ويمضي لوجهه الذي خرج إليه فإن تلك الطيرة لا تضر وإذا لم تضر فلا تصد الإنسان عن حاجته، وأشار به إلى أن الأمور كلها بيد الله تعالى، فينبغي أن يعول عليه، وتفوض جميع الحوائج إليه، ويفهم منه أن هذا الوجدان لتلك النفرة لا يُلام وَاجِدُهَا عليها شرعًا لأنه لا يقدر على الانفكاك عنها وإنما يلام الإنسان أو يمدح على ما كان داخلًا تحت استطاعته.
(قال) معاوية بن الحكم (قلت) يا رسول الله (ومنا رجال يخطون) خطًّا فيتفاءلون