أمامك (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن عدو الله (بليس) اللعين (جاء) في (بشهاب) أي بشعلة (من نار ليجعله) أي ليجعل ذلك الشهاب ويرميه (في وجهي) أي على وجهي (فقلت أعوذ بالله) أي أتحصن وأعتصم بالله (منك) أي من شرك وضررك (ثلاث مرات ثم قلت) له (ألعنك بلعنة الله التامة) قال القرطبي: والتامة تحتمل معنيين أحدهما أنها الكاملة التي لا ينقص منها شيء، والثاني الواجبة المتحققة عليه أو الموجبة عليه العذاب سرمدًا كما قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}[الأنعام: ١١٥] أي حقت ووجبت ولم يقصد مخاطبة الشيطان (فلم يستأخر) أي فلم يأخر ويرجع عني، وقوله (ثلاث مرات) منصوب بقلت (ثم أردت أخذه) وإمساكه (والله) أي أقسمت بالإله الذي لا إله غيره (لولا دعوة أخينا سليمان) بن داود عليهما السلام موجودة يعني قوله "وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي" أي لولا حرصي على إجابة دعوته موجود (لأ) مسكته وأوثقته بسواري المسجد حتى (أصبح موثقًا) أي مربوطًا بالسواري (يلعب به ولدان أهل المدينة) والجملة الفعلية صفة لموثقًا (وقوله ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقًا يلعب به ولدان المدينة) يدل على أن مُلْك الجن والتصرف فيهم بالقهر مما خص به سليمان، وسببُ خصوصيَّتهِ دعوتُه التي استجيبت حيث قال:{وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[ص: ٣٥] ولما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم الخصوصية امتنع من تعاطي ما هَمَّ به من أخذ الجني وربطه (فإن قيل) كيف يَتَأتَّى ربطه وأخذه واللعب به مع كون الجن أجسامًا لطيفة روحانية؟ (قلْنا) كما تَأتَّى ذلك لسليمان - عليه السلام - حيث جَعَلَ الله له منهم (كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد) ولا شك أن الله تعالى أوجدهم على صور تخصهم ثم مكنهم من التشكل في صور مختلفة فيتمثلون في أي صورة شاءوا أو شاء الله تعالى وكذلك فعل الله بالملائكة كما قال تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَويًّا} وقال صلى الله عليه وسلم: "وأحيانًا يتمثل لي الملك فيكلمني" رواه البخاري من حديث عائشة فيجوز أن يمكن الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من هذا