يوضح ذلك على غاية الإيضاح ولم يتمكن من ذلك في ذلك الوقت الحاضر للعوائق والموانع، ثم فاجأته المنية رضي الله عنه ولم يُرْوَ عنه فيها شيء من ذلك لكن قد اهتدى علماء السلف لفهم الآيتين وأوضحوا ذلك فتبين الصبح لذي عينين، وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
(ثم قال) عمر (اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار) والمدن أي على ما أمرتهم به من العدل والنصح لعامة المسلمين (وإني إنما بعثتهم) أي بعثت الأمراء ووليتهم (عليهم) أي على أهل الأمصار (ليعدلوا) أي ليظهروا العدل والحق (عليهم) أي على الرعايا (وليعلموا الناس) أي عوام الناس (دينهم) أي أحكام دينهم (وسنة نبيهم) محمد (صلى الله عليه وسلم) وشريعته (وبقسموا فيهم) أي في الناس (فيئهم) وأرزاقهم التي يستحقون في بيت المال وغنائمهم التي يغنمونها من أعدائهم (ويرفعوا إلي ما أشكل) وَانْبَهَمَ (عليهم من أمر) دينـ (ـهم) ودنياهم.
واعلم أن اهتمام عمر رضي الله عنه بالكلالة لأنها أشكلت عليهم، وذلك أنها نزلت فيها آيتان إحداهما قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالةً أَو امْرَأَةٌ}[النساء: ١٢] وفيها إشكال من جهات، ولذلك اختلف في الكلالة ما هي ففيها أربعة أقوال: أحدها أنها ما دون الوالد والولد قاله أبو بكر الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عباس في خلق كثير، والثاني أنها من لا ولد له وروي عن عمر أيضًا وهو قول طاوس، والثالث أنها ما عدا الوالد قاله الحكم بن عتيبة، والرابع أنها بنو العم الأباعد قاله ابن الأعرابي، واختلف أيضًا فيما يقع عليه الكلالة على ثلاثة أقوال: أحدها على الحي الوارث قاله ابن عمر، والثاني على الميت قاله السدي، والثالث على المال قاله عطاء، واختلف أيضًا فيما أخذت منه الكلالة على قولين: أحدهما أنها مأخوذة من الإكليل المحيط بالرأس فكأنها تكللت أي أحاطت بالميت من كلا طرفيه ولذلك قال الفرزدق:
وَرِثْتُم قناةَ المُلْكِ لا عَنْ كلالةٍ ... عن ابْنَي مَنَافٍ عبد شمس وهاشم