وإِنَّ أَبا المَرْءِ أَحْمَى لَهُ ... ومَوْلَى الكلالةِ لا يَغْضَبُ
والثاني أنها مأخوذة من الكلال وهو الإعياء وكأنه يصل الميراثُ بالوارث بها عن بُعْدٍ وإِعياءٍ فكأنَّ الرحمَ كَلَّتْ عن وارث قريب، قال الأعشى:
فآلَيتُ لا أَرْثِي لَها عَنْ كَلالةٍ ... ولا مِنَ وَجىً حَتَّى تُلاقِي محمدًا
ثم مقتضى هذه الآية الأولى أن كل واحد من الأخوين له السدس سواء كان أحدهما ذكرًا أو أنثى فإن كانوا أكثر اشتركوا في الثلث، ومقتضى الآية الثانية أن للأخت النصف وللاثنين الثلثين، ولم يبين في واحدة من الآيتين الإخوة هل هي لأم أو لأب أو لهما ثم إذا تَنزلنا على أن الأخوة من الأُولَى للأم، وفي الثانية للأب أو أشقاء فهل ذلك فرضهم إذا انفردوا أو يكون ذلك فرضهم وإن كان معهم بعض الورثة كل ذلك أمور مطلوبة والوصولُ إلى تحقيق تلك المطالب عسير وسنُبيِّن الصحيحَ من ذلك كله في الفرائض إن شاء الله تعالى.
فلما استشكلَتْ على عمر هذه الوجوه تشوف إلى معرفتها بطريق يزيح عنه الإشكال فأَلحَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عن ذلك حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدره وأغلظ عليه في ذلك رادعًا له عن الإلحاح إذ كان قد نهى عن كثرة السؤال وتنبيهًا له على الاكتفاء بالبحث عما في الكتاب من ذلك، وعلى أن الكتاب يبين بعضه بعضًا، وقال الخطابي: يثبه أن يكون لم يفته ووكل الأمر إلى بيان الآية اعتمادًا على علمه وفهمه ليتوصل إلى معرفتها بالاجتهاد، ولو كان السائل ممن لا فهم له لبيّن له البيان الشافي، قال: وإن الله أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول سورة النساء وفيها إجمال وإبهام لا يكاد يبين المعنى من ظاهرها، ثم أنزل الآيةَ الثانية التي في آخر سورة النساء في الصيف وفيها زيادة بيان اهـ من المفهم.
(ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين) أي بقلتين (لا أراهما) أي لا أظنهما (إلا خبيثتين) أي منتنتين (هذا البصل والثوم) والله (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به) أي بإخراجه من المسجد (فأخرج) ذلك