فَقَال: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذلِكَ، يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عَلَيهِ وسلَمَ عَلَى النَّاسِ فَقَال: "أَصَدَقَ
ــ
الكل حكمنا على المجموع ككل ... ذاك ليس ذا وقوع
وحيثما لكل فرد حكما ... فإنَّه كلية قد علما
مثل الكل كقولهم: كل رجل من بني تميم يحمل الصخرة العظيمة، ومثال الكلية كقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} والتمثيل للكل بالحديث على القول المرجوح كما ذكره الملَّوي وكذا الأبي. قال النواوي:(قوله كل ذلك لم يكن) فيه تأويلان أحدهما ما قاله جماعة من أصحابنا في كتب المذهب أن معناه لم يكن المجموع فلا ينفي وجود أحدهما، والثاني وهو الصواب معناه لم يكن ذاك ولا ذا في ظني، بل ظني أني أكملت الصلاة أربعًا، ويدل على صحة هذا التأويل وأنه لا يجوز غيره، أنَّه جاء في روايات البُخَارِيّ في هذا الحديث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: لم تقصر ولم أنس. فنفى الأمرين اهـ.
قال القرطبي:(قوله كل ذلك لم يكن) هذا مشكل بما ثبت من حالة صلى الله عليه وسلم فإنَّه يستحيل عليه الخُلفُ والكذبُ، والاعتذارُ عنه من وجهين أحدهما: أنَّه إنما نفى الكلية وهو صادق فيها إذ لم يجتمع وقوع الأمرين وإنما وقع أحدهما، ولا يلزم من نفي الكلية نفي كل جزء من أجزائها فإذا قال لم ألق كُلّ العلماء لا يُفهم أنَّه لم يَلق واحدًا منهم ولا يلزم ذلك منه إلَّا أن هذا الاعتذار يُبطله قولُه في الرواية الأخرى (لم أنس ولم تقصر) بدلَ قوله (كل ذلك لم يكن) فقد نفى الأمرين نصًّا، والثاني: أنَّه إنما أخبر عن الذي كان في اعتقاده وظنهِ؛ وهو أنَّه لم يفعل شيئًا من ذلك فأخبر بحق إذ خبره موافق لما في نفسه فليس فيه خُلف ولا كذب، ومن هذا ما قد صار إليه أكثر الفقهاء من أن الحالف بالله على شيء يعتقده فيظهر أنَّه بخلاف ما حلف عليه أن تلك اليمين لاغية لا حِنْثَ فيها وهي التي لم يُضِفها الله تعالى إلى كسب القلب حيث قال:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْو فِي أَيمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وقد روى أبو داود حديث أبي هريرة هذا وقال مكان (كل ذلك لم يكن)(لم أنس ولم تقصر) ومحمله على ما ذكرناه من إخباره عن اعتقاده، وللأصحاب فيه تأويلات أُخر لا طائل تحتها اهـ من المفهم.
(فقال) ذو اليدين (قد كان بعض ذلك) المذكور إما النسيان وإما القصر (يَا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على النَّاس) المصلين معه (فقال أصدق