ذلك، وخالفَهم الكرخيُّ من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا يُحتجُّ به، فأما إذا أنكره إنكارًا جازمًا قاطعًا بتكذيب الراوي عنه وأنه لم يحدثه به قط فلا يجوز الاحتجاجُ به عند جميعهم لأن جَزْمَ كل واحد يُعارِضُ جَزْمَ الآخر والشيخُ هو الأصل فوجب إسقاطُ هذا الحديث ولا يَقْدَحُ ذلك في باقي أحاديث الراوي لأنه لم يُتَحقَّقْ كذبهُ اهـ.
قال القسطلاني: وهذه مسألة معروفة عند أهل علم الحديث وهي إنكار الأصل تحديث الفرع، وصورتها أن يروي ثقة عن ثقة حديثًا فيكذبه المروي عنه، وفي ذلك تفصيل لأنه إما أن يجزمَ تكذيبَه أم لا، وإذا جزم فتارة يصرح بالتكذيب وتارة لم يصرح به، فإن لم يجزم بتكذيبه كأن قال: لا أذكره فاتفقوا على قبوله لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإنْ جزم وصَرَّح بتكذيبه فاتفقوا على رَدّه لأن جَزْمَ الفرع بكونِ الأصل حدَّثه يستلزمُ تكذيبَه للأصل في دعواه أنه كَذَب عليه وليس قبولُ قولِ أحدهما أولى من الآخر، وإن جزَمَ ولم يُصرِّح بالتكذيب كقول أبي معبد لم أحدثك بهذا فَسَوَّى ابنُ الصلاح تبعًا للخطيب بينهما أيضًا وهو الذي مَشَى عليه الحافظُ ابن حجر في شرح النخبة، لكن قال في فتح الباري: إن الراجح عند المحدثين القبولُ، وتمَسَّك بصُنْعِ مسلم حيث أَخْرجَ حديثَ عمرو بن دينار هذا مع قولِ أبي معبد لعمرولم أحدثك به، فإنه دل على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه ثقة ويعضده تصحيح البخاري أيضًا وكأنهم حملوا الشيخ على النسيان انتهى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى للحديث السابق بحديث آخر لابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
١٢١٢ - (٥٤٥)(٢٠٣)(حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون أبو عبد الله السمين البغدادي، صدوق، من (١٠)(أخبرنا محمد بن بكر)(الأزدي البرساني أبو عثمان البصري، صدوق، من (٩)(أخبرنا) عبد الملك بن عبد العزيز (بن جريج) الأموي المكي، ثقة، من (٦)(ح قال وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي أبو يعقوب المروزي (واللفظ) الآتي (له) أي لإسحاق بن منصور، وأما محمد بن حاتم فروى معناه دون لفظه (قال) إسحاق (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم