شعبة (كان يقول) في روايته عن شيخيه (يا ذا الجلال والإكرام) بإثبات حرف النداء وأبو معاوية في رواية ابن أبي شيبة "ذا الجلال والإكرام" بإسقاطه، وفي كلام المؤلف هنا تقديم وتأخير وتحريف، وصواب العبارة أن يقال (حدثنا شعبة، عن عاصم وخالد كليهما عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة) إلخ، هكذا ظهر لفهمي السقيم، والله أعلم. وفي المفهم (قول عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلَّا مقدار ما يقول اللهم أنت السلام) الحديث دليل لمالك على كراهيته للإمام المقام في موضعه الذي صلى فيه بعد سلامه خلافًا لمن أجاز ذلك، والصحيح الكراهة لهذا الحديث ولما رواه البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيرًا، قال ابن شهاب: فنرى والله أعلم لكي ينفذ من ينصرف من النساء، ووجه التمسك بذلك أنهم اعتذروا عن المقام اليسير الذي صدر عنه عليه الصلاة والسلام وبينوا وجهه فدل ذلك على أن الإسراع بالقيام هو الأصل والمشروع، وأما القعود فإنما كان منه ليستوفي من الذكر ما يليق بالسلام الذي انفصل به من الصلاة ولينصرف النساء، وقد روى البخاري أيضًا عن سمرة بن جندب "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى أقبل بوجهه" رواه في [١٣٨٦] وهذا يدل على أن إقباله على الناس كان متصلًا بفراغه ولم يكن يقعد، وقد روى أبو أحمد بن عدي في الكامل ما هو أنص من هذا كله عن أنس قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان ساعةَ يُسلِّم يقومُ"، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وَثَب كأنَّه يَقُومُ عَنْ رَضْفَةٍ" الحجَرِ المُحمى على النارِ رواه في الكامل [٤/ ١٥١٦] وهذا الحديث وإن لم يكن في الصحة مثل ما تقدم فهو عاضد للصحيح ومبين لمضمونه وإذا كره له القعود في موضع صلاته فأحرى وأولى أن تكره له الصلاة فيه، وقد روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول" رواه في [٦١٦] ويعتضد هذا من جهة المعنى بأن ذلك الموضع إنما استحقه الإمام للصلاة التي يقتدى به فيها فإذا فُرِغَتْ ساوى الناس وزال حُكْمُ الاختصاصِ والله أعلم اهـ منه.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ثوبان بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال: