أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا أقيمت الصلاة" أي أقام لها المؤذن وأنتم في خارج المسجد، قال السنوسي: يعني إذا نادى المؤذن بالإقامة فأقيم السبب مقام المسبب (فلا تأتوها) أي فلا تحضروها وأنتم (تسعون) أي تهرولون إليها وتعْدُون مسرعين في المشي فوق العادة، فلا يعارض قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} لأن المراد بالسعي فيه المشي عادة لا الهرولة ولا الإسراع (وأتوها) أي واحضروها والحال أنكم (تمشون) إليها على عادتكم (وعليكم) أي والزموا (السكينة) بالنصب على أن عليكم اسم فعل أمر بمعنى الزموا كقوله تعالى: {عَلَيكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ويجوز الرفع على أنه مبتدأ مؤخر، وعليكم خبر مقدم، والسكينة هي التأني في المشي واجتناب العبث بالجوارح، والوقار الخوف القلبي من الله تعالى، وسيأتي الفرق بينهما عن النواوي (فما أدركتم) مع الإمام (فصلوا) معه (وما فاتكم) ولم تدركوه مع الإمام (فأتموه) بعد سلام الإمام، وفي كتاب السنن من حديث أبي هريرة مرفوعًا "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" رواه أبو داود [٥٦٤] والنسائي [٢/ ١١١] والحكمة في ملازمة الوقار والسكينة التشبه بالمصلي لأن الماشي إلى الصلاة هو في الصلاة ومعناه أنه لما خرج من بيته إلى المسجد يريد الصلاة كان له حكم الداخل في الصلاة من الوقار والسكينة حتى يتم له التشبه به فيحصل له ثوابه اهـ من المفهم.
قال القرطبي: قوله (فلا تأتوها وأنتم تسعون) أصل السعي الجري، ومنه قوله تعالى:{يَأْتِينَكَ سَعْيًا}[البقرة: ٢٦٠] وقد يكون السعي العمل كقوله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا}[البقرة: ٢٠٥] وعلى هذا الثاني حمل مالك قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩] وقد اختلف العلماء فيمن سمع الإقامة هل يُسرع أو لا؟ فذهب الأكثر إلى أنه لا يُسرع وإن خاف فوت الركعة تمسكًا بهذا الحديث ونظرًا إلى المعنى وذلك أنه إذا أسرع انبهر (انقطع من الإعياء) فشوش عليه دخوله في الصلاة